في ضيافة البوتشيشيين
لما سافرنا من المحمدية قاصدين السعيدية، توقفنا للغداء في تافوغالت، وتذكرت على التو مركز مداغ والزاوية البوتشيشية التي يقصدها مريدوها من كل بقاع العالم، وتذكرت أيضا أنني سمعت قديما بأن جد البوتشيشيين كان رجلا بسيطا في قريته، وذات يوم نزل في مسجد القرية ضيف، يبدو من سحنته أنه من المجاذيب الذين تقتحمهم العين؛ وبعد صلاة العشاء، خرج المصلون جماعات وأفذاذا، وتسللوا من المسجد لواذا، دون أن يسألوا من الضيف وهو هنا لماذا؟ ومعلوم أن تقاليد البلد تلزمهم بأن يطعموا ضيوف المسجد.
بقي أبو التشيش وجها لوجه مع الضيف المجذوب، فقصده وقال له : اعذرني سيدي، لا أملك زادا في بيتي، عندي فقط حساء ( التشيشة)، فأجابه المجذوب: خير الزاد ما رفع الجوع، وحفظك الله يوم الرجوع. أحضر صاحبنا صحن الحساء، وقدمه لضيفه كعشاء، فدعا له المجذوب، بأن يمتعه الله بكل مرغوب.
انصرف المجذوب في الصباح ،وبدأت كراماته على بوتشيش تلاح، من صحة وغنى وفلاح، ففطن أهل القرية لهذا التحسن الطارئ، وقد كان بوتشيش فقيرا وغير قارئ! ولسان حالهم يقول: ياليت لنا مثلما أوتي بوتشيش! وتيقنوا أن البركة تلقاها من المجذوب بوتشيش.
وذات يوم، عاد المجذوب إلى المسجد، فتحلق حوله كل من في المسجد، والكل يستدعيه بإلحاح وجد، فقال لهم : ( البركة كلها أخذها أبو التشيش! وهو بالكرامات يعيش) .
هذا أبو التشيش في الحكاية الشعبية التي تؤمن بكرامات المجاذيب، ولا تعتبر روايتها من الأكاذيب، حتى وإن كانت من الأعاجيب!
ولنعد الآن إلى التاريخ المكتوب، وفيه صدق غير مكذوب. يذكر لنا التاريخ الحديث في هذه المنطقة مجاهدا اسمه سيدي المختار بوتشيش، حارب هذا البطل فرنسا بعد احتلالها لمدينة وجدة سنة 1907، وتزعم نضالات أهل قبيلة بني يزناسن، وكانوا به من السعداء، لكن ألقي عليه القبض، فتنفست فرنسا الصعداء.
رحم الله مجاهدينا الأبرار .