كان يصهل في وجهها بمتخير الشتائم، لها ولآبائها الأولين والأخيرين، فتصبر. وكان يشتد في البخل عليها، حتى بالثياب الداخلية، فتصبر. وصار يضربها كل ليالي الحرارة والصقيع، فتصبر. وأخيرا أغراه مزاجه الرمادي بتطليقها، فتظاهرت بالصبر، من غير أن تترجاه كما كان يتوهم.
بعد شهور، انتبه إلى أنه أصبح يعيش في مهب الثلث الخالي من الدنيا، فلم يصبر. ذهب لاسترجاعها، مطمئنا لما سيلاقيه لديها من لهفة طال انتظارها. لكن أهلها زلزلوه بقولهم إنه تأخر، متفننين في تقطير التفاصيل نقطة نقطة. قالوا له إنها طارت في الآفاق البعيدة. وأكدوا له أنها الآن تتجرع كؤوس الدسم في شهر العسل، مع زوجها الجديد. وفاجأوه بأن منافسه فيها ليس سوى منافسه في تجارة الملابس الداخلية. ضجت نفسه بصورتها، وهي لا تكف عن نفث كل ألوان التنوبه ببضاعة غريمه الرائجة بين النسوة. فلم يملك إلا أن يعض على أصبعه.