استبشر سكان مدينة القصر الكبير خيرا عند إعلان خبر فتح مقبرة الرحمة ( المقبرة الجديدة) في منتصف ماي 2018، خصوصا وأن المقبرة السابقة ( مقبرة مولاي علي بوغالب) لم تعد تسع لدفن موتى جدد جراء الاكتظاظ الكثيف الذي تشهده، والذي لا يسمح مطلقا بأي عمليات دفن حديثة، غير أن السنوات القليلة من عمر هذا المرفق العام كانت كفيلة برفع حدة الشكاوى والمعاناة الحقيقية للمواطنين القصراويين مع مسيري المقبرة ومن يندرجون تحت لوائهم، إلى جانب الخروقات العديدة التي لم تعد تخفى على أحد والتي تزيد من صراخ المواطنين وتعبيرهم عن الاستياء والاستنكار مما يلاقونه من معاملة سيئة، ومن خدمات رديئة بعين المكان، هذا إن توفرت طبعا.
فوضى وعبث
المتردد على مقبرة الرحمة بمدينة القصر الكبير لا بد أن يستشعر غياب الرحمة بها ويلاحظ العشوائية التي تتخبط فيها، ولا بد أن يسترعي انتباهه العبث المستشري بأرجائها، فعلى عكس ما راج سابقا إبان تشييد المقبرة بأنها ستكون مقبرة نموذجية تخضع للتنظيم، تجد قبورا في جهة وضعت بشكل فوضوي ومن دون مراعاة المساحة الفارقة بين القبر والآخر، وإن وجدت فبمساحة قدم واحد للعابر بينها، مما يعرقل عملية العبور لباقي الزوار وهم يتنقلون بين المقابر، بينما في الجهة المقابلة تجد مساحات فارغة تركت بين هذا القبر وذاك ووضعت بها كراسي إسمنتية منعا لإضافة أي قبر بجوارها و تسهيلا لأصحابها الذين يكونون غالبا من معارف وأصحاب مسيري المقبرة.
أصحاب السوابق في الإجرام يتصدرون الواجهة
حاضرون بقوة في مقبرة الرحمة، وجوه لا تسر الناظرين، تلاحق الزوار حيثما تنقلوا داخل المقبرة وكأنها ملكهم الخاص، يعرضون خدماتهم بشكل استفزازي للمواطنين، ومن يرفضها يكون حظه وافرا من الانتقام، ومن استسلم لهم وقع فريسة بين أيديهم، فيسلبوه ماله بطرق احتيالية ويسخرون من سذاجته ويتركونه للصراخ والعويل بين جنبات المقبرة دون رحمة وشفقة.
كبير أصحاب السوابق يأكل عرق جبين عمال المقبرة ويأكل أموال الناس بالباطل على حد سواء ويغش في بناء القبور وينهب كما يطيب ويحلو له من دون حسيب أو رقيب، يفرض نفسه على الوافدين ويقدم خدماته المشبوهة، وإذا رفض المواطن التعامل معه لسمعته الخبيثة في المدينة برمتها، استعمل وسائله الانتقامية وادعى البراءة والطهرانية و ” تمسكن”وتسلل من جرمه كما تسل الشعرة من العجين.
أتباعه يهرولون خلف كل زائر قدم للمقبرة للترحم على ذويه، يحملون ( رشاشات مياه)، بمجرد ما يقف الزائر على القبر المعني يسارعون في الرش والتنظيف دون استئذانه أو ترك فرصة له لطلب ذلك منهم، تراهم يشتغلون بحماس قوي، ومستعدون للنحيب على الميت حتى وهم لا يعرفونه بالمرة، وعندما ينتهون ينتظرون المقابل، من مدهم به انصرفوا فورا للحاق بوافد جديد، ومن تجاهلهم أحرجوه وطالبوه بالأداء، إن رضخ لهم تبارك الله وإن لم يفعل أهانوه وربما تطور الأمر لعراك وتبادل سباب وشتائم على القبور.
” فقهاء ” التسول بالقرآن الكريم
ليس من الشرع في شيء أن تتلى آيات بينات من الذكر الحكيم على القبور بمقابل مادي، فالقرآن الكريم موجه بالأساس للأحياء، أما الأموات فقد وفوا أجلهم وانتقلوا لحياة أخرى في البرزخ، هذا ما علمنا إياه كبار الشيوخ والعلماء الأفاضل، غير أن مقبرة الرحمة بالقصر الكبير ترفل ب “الفقهاء ” المتسولين بالقرآن، والذين ما يلبث أي مواطن يضع أقدامه بقبر حتى يلتفوا حوله ويحاصرونه ويشرعون مباشرة في تلاوة آيات من كتاب الله عز وجل بغرض مطالبته بالمال من بعد.
كثيرا ما تشهد المقبرة شجارات وتطاولات بالألسن بين ” الطلبة” بعضهم البعض، حيث يكون أساس المشاحنة ذاك المبلغ المالي الذي لم يستفد منه عددهم بالكامل لقلته أو لجشع من أمسكه بيده لأول وهلة، والذي يرفض اقتسامه مع الباقين.
هو وجه آخر من العبث، العبث بحرمة المكان وقدسيته وقدسية كتاب الله العزيز، والطريف أن بين ” الطلبة” من هو لا بحافظ قرآن ولا غير، إنما هو يحشر نفسه بينهم ليقبض المال فقط، والدليل أن الوافد على المقبرة حين يتابع ( قراءته) ويحاول أن يقرأ معه بصمت يستعصي عليه فهم ما ينطق به، كما يستعصي عليه التعرف على السورة التي خصها بالتلاوة، حيث لا يسمع له سوى صوت شبيه بصوت دجاجة أثناء عملية التبييض ( كيقيق).
مواشي تركض فوق القبور
الأصل أن المقابر لها حرمتها، وحرمة مقبرة الرحمة بالقصر الكبير منتهكة، انتهكها المنحرفون من ذوي السوابق بسلوكاتهم المشينة، وانتهكها رعاة المواشي من أغنام وأبقار وماعز بإطلاقها ترعى بجوانب المقبرة، إذ ما تلبث – المواشي في غياب ضمير راعيها وغياب سور يحف المقبرة ويحميها من النوازل – أن تلجها بكل أريحية وتدوس على القبور خصوصا منها التي لم تبن بعد تاركة آثار مرورها هناك وفضلاتها هنالك.
وحل يزحلق المواطنين لا إراديا
يصعب على المواطنين بالقصر الكبير التردد على مقبرة الرحمة والترحم على ذويهم في الأجواء الممطرة، حيث تتحول جنباتها إلى كثلة وجل كثيف يغرق الزائر، ويعلق بثيابه وأحذيته بشكل مزعج جدا، وذلك بسبب سوء التدبير والعناية بالمرفق العام ككل.
تعايشا مع الظرف البئيس، يضطر المواطنون إلى لف أقدامهم بأحذيتها في قطع البلاستيك التي صاروا يحملونها معهم من بيوتهم أو يقتنونها من عين المكان فيستعملونها حفاظا على نظافة أحذيتهم، واحترازا من التزحلق اللاإرادي.
أين المسؤولون ؟؟
سؤال يردده الجميع ويصرخ به كل حين، فأنين مقبرة الرحمة بالقصر الكبير بلغ مداه، والمسؤولون غائبون تماما عن مسرح ما يجري، هل هي مباركة سرية منهم لما يحدث ويقع بها؟ أما عادت صيانة حرمة المقابر من اهتماماتهم وواجباتهم ؟ لماذا كل هذا التسيب والفوضى؟ ما جدوى وجود مكاتب وأبواب مغلقة تفتح وتقفل بالمفاتيح والمواطن ليس في مأمن من السرقة والنهب؟
هو فيض من غيظ، وما خفي بالمقبرة كان أعظم، لذلك صار لزاما أن ندق ناقوس الخطر عسى مسؤولي القصر الكبير يتحركون ويحررون الفضاء من قبضة اللصوص والمجرمين، ويجعلون المقبرة في أيدي أمينة تخاف ربها وتتقيه، وتهاب الظلم والإساءة إلى العباد، ولعله أبسط مطلب يستوجب التحقيق على وجه السرعة.