ّ ليس لي جيران حاليا ، ولم أعد أرغب في اقامة أية علاقة معهم بسبب عدة متغيرات طارئة ، أستطيع أن أؤكد وجود جارتين فقط قابلتهما في حياتي ، كانتا بمثابة اختين وصديقتين لي ، وكنا معا كالجسد الواحد في السراء و الضراء ، من بعدهما لم أصادف مثلهما في حسن الجوار و الاحسان و المعاملة بالمعروف ، اضطررت الى اغلاق باب منزلي والانعزال عمن حولي مع الاحتفاظ بذكريات جوار جميلة جمعتني بسيدتين سأظل أذكرهما بخير ما حييت ّ .
تصريح سيدة .
ّ مرضت ولازمني المرض فترة شهر كامل ، طوال هاته المدة لم تطرق بابي جارة تتفقد أحوالي أو تطمئن على صحتي ، سيما وأن بيتي لم يكن من قبل يخلو من تردد الجارات عليه لغرض أو لآخر ، أحسست وقتها و لأول مرة بالغربة و الوحدة ، وبينما انا ممددة على فراش المرض يوما دخلت غرفتي احدى جاراتي ، ظننتها قادمة لمواساتي فاذا بها تحملق في جنبات بيتي ، وتعيب علي وجود العناكب في بعض الأركان والأوساخ في أماكن أخرى . غادرت تاركة اياي أتجرع مرارة ملاحظتها التي لم تكن في مكانها المناسب ، الا أنني حينها أدركت أنه المفهوم الجديد للجوار ّ .
تصريح سيدة أخرى .
ّ كلما التقت عيني بعين جاري أدار وجهه عني ولم يلق حتى التحية ، ليس لدينا اي مشاكل مع بعضنا البعض ، هو اختار ان يكون كذلك وانا بالطبع لن أجبره على تحيتي او الحديث معي ، هو حر ّ .
عبر رجل في استياء .
ّ بصراحة هناك تحول نحو الأسوأ في علاقة الجوار ، مثلا أنا أجد الجيران حولي يتحيزون لجار دون آخر ، يجاملون هذا ويزورونه في المرض ، يواسونه في الأحزان ويباركون له في الأفراح ، وفي الجهة المقابلة يتنكرون لذاك اما لفقره أو لعدم وجود مصلحة تقضى منه ّ .
أكدت سيدة .
ّ أين هم الجيران ؟ جاري الذي بجنبي هو سبب تعاستي وشقائي ، يؤذيني كثيرا ويؤذي أسرتي ، انظر الى النفايات التي يدفع بها صوب بيتي بعدما يكنس امام بيته ، انظر الى الغسيل الذي يقطر ماء فوق رؤوسنا ، ابناؤه يعتدون على أطفالي ويمنعونهم من الاستمتاع بجو اللعب كسائر أقرانهم ، يضربونهم ، يشتمونهم ، ويسرقون لعبهم … حاولت محاورته أكثر من مرة للترفع عن مثل هذه التصرفات ، وذكرته دوما اننا جيران وعيب ان يكون بيننا ما هو حاصل ، للأسف لا يزيده كلامي الا تجبرا وتمردا ّ .
عبر رجل في استنكار .
وماذا بعد ؟؟
هي صور حية تعكس الواقع الذي آلت اليه علاقة الجوار ، الجار الذي وصى به الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وهو يقول : ّ ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ّ ( متفق عليه ) ، الجار الذي كان يفدي جاره بالغالي و النفيس ويتقاسم معه الحلو و المر ولا يبيعه بأبخس الأثمان مهما كلفت الظروف .
لماذا تحول من نعمة الى نقمة ؟
لماذا الشحناء و البغضاء وعدم الألفة ؟
أين غاب التكاثف و التكافل و المحبة و الوئام ؟
كيف سمح جيران اليوم لأنفسهم أن يتتبعوا عثرات غيرهم ويتطلعون الى عوراتهم ويفضون بأسرارهم ؟
أهكذا يعامل الجار وهكذا أمرنا أن نكون ؟
يشهد الوضع تأزما في الأحياء الراقية عنه في الأحياء الشعبية ، حيث الجيران لا يعيرون اهتماما ببعضهم البعض ، وحيث الانشغال منصب بصفة كلية على انفسهم واهتماماتهم الخاصة ، حتى اذا ما تصادف اللقاء بينهم في السلم الكهربائي نظروا الى وجوه بعضهم وانصرفوا من غير فتح أي مجال للحوار ولو عابرا ، كما أن الأقدار كثيرا ما تجمعهم في مكان واحد بعيدا عن المحيط الذي يقيمون فيه باستمرار ، ليكتشف الطرف منهم انه يسكن في نفس العمارة أو بشقة هي في محاذاة مع الطرف الآخر دون أن ينتبه أي منهم لهذا الأمر سابقا .
اما الجيران في الأحياء الشعبية ، وان كانوا الى اليوم لا زالوا محافظين على روابط التواصل فيما بينهم ، وعلى قواعد المجاملات وتبادل الزيارات فان الطابع المصلحي و المادي طغى بنسبة كبيرة على العلاقة التي تربطهم ، فضيعوا بذلك الطيبة التي تميز بها سابقوهم ، وضيعوا الامان الذي كان يسود بين جيران الأمس وهم يضيعون حقوق الجار على التوالي ، وهو ما قاد الكثيرين الى الانعزال والانطواء على ذواتهم خلف جدران بيوتهم .