يتذكر أبناء جيلي كيف كنا في الستينيات نمارس هواية المراسلة بشغف ، ونتجول في كل الدنيا بواسطة المراسلة ، كان لنا أصدقاء وصديقات من أوروپا وأمريكا والعالم العربي ، وكنا نرسل الرسالة التي نقضي في تدبيجها وتنقيحها الساعات ؛ ونضع لها طابع بريد من فئة 20 سنتيم داخل المغرب ، و25 سم ـ إلم تخني الذاكرة ـ للدول العربية في شمال أفريقيا ، و30 سم. للدول العربية الآسيوية ، و40 سم. لإسپانيا وفرنسا ، وأظن 60 سم. لدول أمريكا بشمالها وجنوبها .نضع الرسالة في صندوق البريد ، وننتظر ما بين أسبوع إلى أسبوعين كي نتلقى جوابا ؛ وما أجمل الانتظار! وما أحلى التوصل بخبر من وراء البحار! أو من عزيز قريب من القلب أو الدار !
وعندما تعوّدنا على الكتابة بواسطة المراسلة ، وأيضا بسبب المجلة الحائطية في الثانوية تجرأنا على مراسلة الصحف الوطنية في صفحتها المخصصة لناشئة الأدب ، هذه الخطوة كانت أيضا تتطلب أسبوعين من الانتظار ، إن وافق المشرفون على النشر وتحقق الانتصار .
وكبرنا ولازمتنا عادة الكتابة ، فراسلنا صحفا داخل الوطن وخارجه ونشرت لنا، وبالطريقة نفسها، أسبوعان من الانتظار، وبعدها يكون الانتصار ، أو الشعور بالانكسار .
ثم تطورت وسائل الاتصال ، فبدأنا نستعمل جهاز الفاكس الذي يوصل الرسالة في الحين ، ولكننا لبثنا نكتبها بخط اليد ، وتقلص وقت الانتظار من أسبوعين إلى أسبوع واحد أو أقل .
وبعدها ظهرت الكتابة الإلكترونية التي خلّصتنا من عقدة رداءة الخط ،وصار في الإمكان أن نكتب نصا ونرسله قبل أن يقوم المشرف من مقامه،وكل شيء مفيد في أيامه.
واتسع مجال المكاتبة، ومنحت للكل فرصة بدون محاسبة، في هذا الفضاء الأزرق بدون مراقبة، واختلط الكاتب المتمكن بالمبتدئ كنوع من المغالبة، وكل واحد يمرر أسلوبه في المخاطبة، ويصرح بممتلكاته بمناسبة أو بدون مناسبة.