لقن وباء كورونا البشرية مجموعة من الدروس، وجعلها تعيد ترتيب أولوياتها من جديد، وأيقظ حس الإنسانية في مناحي كثيرة منها، فاستوعب قوم الدروس واستخلصوا العبر، وفضل قوم البقاء على ضلالهم يلعنون كل شيء، ويعبثون بكل شيء، ويتمردون على كل شيء، ويبخسون كل مجهود يبذل.
بالتبخيس بدأ الطريق مع كورونا، وبالاستخفاف بوجوده وسرعة انتشاره تعزز الخطر وتعمق الأذى، فأزهقت أرواح بريئة والفيروس يتوغل بأجسامها، وارتفع عدد الإصابات المؤكدة التي استدعت الحجر الصحي الإلزامي للفرد والجماعة الحاملة للفيروس الوبائي، التزمت فئات بيوتها واستمرت فئات أخرى في تعنتها وواصلت حياتها بسير عادي وكأن شيئا لم يحدث ولا جائحة تهدد سلامة الناس وصحتهم.
مع تعنت هؤلاء، ضاعفت جائحة كورونا توسعها، وشرعت في التنقل من جسم إلى آخر دونما ترك علامات أو أعراض تدل على حضورها، حيث لا يتم التعرف على وجودها إلا بالتحاليل المخبرية التي تجرى من باب التدبير الوقائي الإحترازي، والذي تسهر الدولة على القيام به حماية وصيانة للصحة العامة.
من هنا يتبين لنا أن وباء كورونا ينبذ التبخيس، ولايقر بالاستهتار، يحترم المجندين لصده ويرفع الراية البيضاء في وجوههم إعلانا للاستسلام، وإلى جانب ذلك يبرز دور كل الحيويين النشيطين، بدءا من الدولة المغربية التي اتخذت إجراءات استباقية وأخذت موضوع الوباء بجدية، وانتصرت للإنسان وضحت بالاقتصاد، وآثرت الصحة العامة والسلامة البشرية على الأموال والثروات، مرورا بأبطالها الصامدين في قطاعات مختلفة تهم الصحة والأمن والتعليم والإعلام والنظافة و..و..إلخ.
جهود عظيمة تبذل، لا تنتظر جزاء ولا شكورا، تطلب من العموم فقط المكوث في البيت كنوع من التعاون والمساعدة لتسهيل محاصرة الوباء الفتاك ” كورونا “، تدعو إلى النظافة وتوخي الحذر، وأخذ مسافة أمان في التعامل والتخاطب، تستجيب شرائح تنعم بمستوى معين من الوعي، وتأبى أخرى إلا أن تبخس كل الجهود وتحط من قيمة كل خطوة جبارة من شأنها أن تقلص من خطورة الوضع وتحول دون وقوع كوارث صحية.
ماذا يقدم المبخسون في هذه الظروف العصيبة ؟؟ لاشيء كالعادة، فقط النقد الهدام، والعصيان الذي يفضي يهم إلى الاعتقال لمخالفتهم الأوامر الصادرة، والثرثرة وجلب الأذى لأنفسهم وذويهم، والسلبية التي ينشرونها تعبيرا منهم عن الاستياء مما ينجز وهم العاجزون الرافضون مبدئيا لكل إنجاز.
حري بالجميع أن يكون في هذا الظرف الإستثنائي كالبنيان المتراص، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، فالخطب جلل والتبخيس مرفوض، وأيما فرد قام بعمل محمود أو مجموعة أفراد اتحدوا وتضامنوا وتعاونوا خدمة للصالح العام، حقت له و لهم التحية والتقدير والإجلال، ووجب له ولهم الاعتراف لا الإساءة والتحقير، وسيسجل التاريخ صنيع كل منا في وقت الجائحة، فلنحسن الصنيع ولا نرتكن للتبخيس، لأن كورونا نفسه ينبذ التبخيس وإلا ما معنى انتصاره للحق ودحضه للباطل في أكثر من واقعة عايناها في ظل الأزمة الراهنة.