ألقيت يوم الجمعة 21فبراير 2025 بمدينة طنجة عرضا بعنوان :
التلاقح الثقافي واللغوي بين إسپانيا وشمال المغرب

برعاية جمعية طنجة بين الأمس واليوم، والمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير. وكما هو معلوم، فإن اليونسكو عينت يوم 21فبراير يوما عالميا للُّغة الأم، لذا احتفلت جمعيتنا طنجة بين الأمس واليوم بهذه المناسبة، وشاركتها في الاحتفال المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، هؤلاء المقاومون هم الذين حافظوا لنا على اللغة الأم، وطردوا الغزاة والمناوئين، في معركة وادي المخازن ومعركة وادي اللبن، وتحرير طنجة وباقي الثغور، وأخيرا مقاومة الاستعمار الحديث، فلولا المقاومة لحرمونا من حريتنا وخصوصيات كثيرة بما فيها اللغة الأم.
وحتى يستفيد الذين لم يحضروا أعيد نشر المحاضرة منجمة، فقرة فقرة، أبدأها بهذا التقديم.
اللغة الأم
هي اللغة التي يتلقاها الشخص منذ الولادة من الأبوين والمحيط الأسري، ثم من المحيط الاجتماعي، وسميت باللغة الأم لأن أبجدياتها يكتسبها الرضيع من أمه، وتبقى أقرب اللغات إلى قلبه حتى ولو تعلم لغات أخرى. يحكى أن ناپليون بوناپرت كان عندما يغضب يستعمل اللغة الكورسيكية، برغم أن اللغة الرسمية كانت هي الفرنسية.
ويمكن اعتبار بعض ردود. فعل الرضيع من صميم اللغة الأم، مثل البكاء للتعبير عن الاحتجاج، أو لرغبة واحتياج، بل نجد بعض حركات الرضيع لغة عالمية، كتحريك الرأس عموديا للقبول، وأفقيا للرفض والجفول.
واللغة الأم كباقي لغات البشر تتطور باستمرار، فتزدهر بعض ألفاظها وتضمحل أخرى، واللغة الأم في الشمال لا تشذ عن هذه القاعدة، فكم من كلمة سادت ثم بادت، وكم كلمة دخلت حديثا فسادت.
اللغة الأم الشمالية
يتسع مصطلح اللغة الأم ليشمل الوطن كله، ويضيق أحيانا ليقتصر على مدينة دون سواها، وفي عرضنا هذا سنعتبر اللغة الأم في شمال المغرب موحدة، برغم بعض الفروق(طنجة يقولون عُشرين بضم العين، وتطوان عِشرين بكسرها)، ولكن الجامع المشترك في كل مدن الشمال تأثرها الواضح باللغة الإسپانية. قد يقول قائل إن طنجة كانت دولية، هذا صحيح، ولكن الحضور الإسپاني كان لافتاً، وذلك أن الشعب الإسپاني كان في معظمه فقيرا، قريبا من مستوى فقر المغاربة، فاضطر للعيش جنبا إلى جنب مع المغاربة ومشاركته المعاملات الاجتماعية من بيع وشراء وتساكن، فتسربت إلى المغاربة كلمات كثيرة نقلها الآباء إلى الأبناء وترسخت في معجم اللغة الأم للشماليين. بخلاف الإنجليز والفرنسيه والأمريكان، الذين كانوا يعيشون في الأحياء الراقية الخاصة بهم، ولا يقتربون من المغاربة إلا في معاملات قليلة كحاجتهم إلى خدم أو متعاونين. لهذا قل حضور الأثر اللغوي الإنجليزي والفرنسي، وحتى الأحياء في طنجة ما زالت إلى اليوم تحمل أسماء إسپانية، مثل : علي باي Ali Bey، كاسطية Castilla، پلاصا طورو Plaza toro، إيبيريا Iberia، ثرڤانتس Cervantes، موح وپاكو . وهذا دليل على الحضور المكثف للوافدين الإسپان، وتأثيرهم في الحياة واللسان.

عودة بعض الألفاظ العربية إلى شمال المغرب بعد قرون
{ هذه بضاعتنا ردت إلينا}
نظرا للتعايش بين المغاربة والإسپان في الشمال، انتقلت ألفاظ بصيغة نطقها الإسپاني إلى العامية المغربية، وهي في الحقيقة عربية الأصل،بقيت في الأندلس وعادت إلينا وقد تغيرت سحنتها، منها :
– الكابلي El cable، أصل اللفظ عربي، الكَبْلُ، لكنه عاد إلينا مكسورا، وظنه المغاربة أعجميا مشهورا.
– لالكول Alcohol ، أصله الكحول، ولما استعصى عليهم نطق الحاء نطقوها هاءً.
-ألميخا Almeja، أصلها المحار، وقلبت الحاء خاءً.
-ألپرغاطا Alpargata أصلها البلغة، الحذاء المغربي المعروف، ولكنهم سموا به حذاء مستحدثا.
– الگيتارا Guitarra ،وأصلها قيثارة، وهي من صميم العربية.
– المانطيل Mantel، أصلها منديل .
– الماسكارا Mascara، أصلها مسخرة.
-الپايية Paella ، أصلها بقية تنطق قافها همزة.
-الطاسة Taza، وعربيها الطاسة والطست.
كلمات لها تاريخ
هذه عينة من الكلمات العربية لها تاريخ، تركها المسلمون في الأندلس.

– الحسيمة Alhucemas: عندما احتل الإسپان عند بداية القرن العشرين منطقة الريف سموا مدينة الحسيمة باسم ڤييا سانخورخو Villa Sanjurjo، وسانخورخو هذا جنرال في الجيش الاستعماري، وعند بداية الثلاثينيات قامت الجمهورية في إسپانيا، فغيروا اسم المدينة إلى Alhucemas ، وهذه كلمة عربية: الخزامى، لأن نبتة الخزامى كانت تكثر في هذه المنطقة ؛ وعند منتصف الثلاثينيات انقلب فرانكو على الجمهوريين، وأعاد للمدينة اسم ڤييا سانخورخو، ولما استقل المغرب خلص المسؤولون المدينة من الاسم الاستعماري، ولكنهم لم ينتبهوا إلى أن كلمة Alhucemas أصلها الخزامى، فحافظوا على الاسم بنطقه الإسپاني.
– الرُّبع Arrobas كان هذا المصطلح يستعمل في المكاييل قديما، وكان الكيال يكتفي بوضع رمز للربع، فيكتب @، ودار الزمان وظهر البريد الإلكتروني فأخذ هذا الرمز لتكتمل به عملية الإرسال، وحافظ على اسمه العربي.
– الباذنجان البنانة والنارنج والسندية Banana Berenjena, Naranja ,y sandía لم يكن الأوروپيون يعرفون الكثير من الخضار والفواكه القادمة
العربية. فاسم البنان هو بنان الموز، لأن عناقيده تشبه أصابع اليد. والباذنجان والنارنج أخذهما العرب عن الفارسية وصدروهما للأوروپيين، أما السندية فهي منسوبة لبلاد السند، ويقصد بها البطيخ الأحمر ( الدلاح).
– زناتي Jinete: تعني في الإسپانية الفارس، وهي في العربية تعني المنسوب إلى قبائل زناتة، وبما أن الزناتيين قد أبلوا البلاء الحسن في حروب الموحدين والمرينيين في الأندلس، فإن الإسبان أطلقوا اسم زناتي Jinete على كل راكب خيل.
-مطمورات Mazmorras تطلق على نوع من السجون كان المسلمون يعتقلون فيها سجناء أوروپيين ريثما تتم مبادلتهم بمسلمين، او أداء الفدية، وقد اشتهرت السيدة الحرة حاكمة تطوان بهذا النوع من السجون، وما زال حي في المدينة يسمى المطامير. وقد ذكر ثرڤانتس في روايته ضون كيخوطي هذه المطمورات مرارا.
– البقية La paella، قصة هذه الكلمة تتلخص في إن الأعيان في الأندلس كانوا يتناولون ما لذ وطاب من انواع السمك، وكان الخدم يصنعون مما فضل عن سادتهم اكلة من هذا الخليط، وحدث إن أعجب السادة بهذه الأكلة فسموها البقية، وبما أنهم ينطقون القاف همزة فقالوا البئية فسماها الإسپان La paella.

