بخصوص التنقيبات الأركيولوجية المستنفرة لعواطف الباحثين عن وهم الأصل.. عندما يتخلى البحث الأركيولوجي عن منطلقاته العلمية، وعندما يغوص في متاهات الحرب الدونكيشوتية الباحثة عن التميز وعن الفرادة، وعندما يتلون بتلاوين الهوس العرقي، وعندما يتدثر بأوهام اليوطوبيات،… آنذاك يمكن القول أي شيء وإطلاق كل الأحكام بدون أي وازع علمي صارم. فتكون النتيجة، تحول “الاكتشافات” إلى سلاح للاستجابة لنزوات الذات في إثبات خصوصياتها المفترضة، أو إلى أحكام جاهزة لدغدغة عواطف “الجمهور” المطمئن ليقينيانه. وبين هذا وذاك، يلوذ المؤرخ بعزلته المنتجة والخلاقة، بعيدا عن ضغط التغطيات الإعلامية المنتشية ب”فتوحاتها”.
إنه الخطاب العرقي المتجدد بتجدد السياقات، لا يهتم باحترام مبدأ التأني قبل إطلاق الأحكام مادامت “الحجة المبتغاة” قائمة، ولعل هذا ما انتبه له الكثير من باحثي المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث عندما تحفظوا عن إطلاق أي أحكام سريعة حول “الاكتشافات” الأخيرة بمنطقة واد لاو… رجاءا لا تبحثوا عن “المستحيل” داخل “الممكن”، فذاك أمر لا يعمل إلا على تبخيس عطاء باحثي مغرب اليوم، واحترموا عزلة الباحث وصرامة المؤرخ، ففي ذلك قيمة أكاديمية رفيعة في مواجهة غبار الهوية وأحلام الأصل وأساطير العرق..
أما مسألة التأويلات غير العلمية المتسرعة والمؤدلجة التي أطلقها بعض العاملين بالموقع المذكور، فتلك أمور تظل في حاجة للكثير من التريث قبل تأكيدها أونفيها مادامت تناقضاتها صارخة بطابعها المستعجل للنتائج المشتهاة. ولعل هذا ما أفرزته خطابات العرق كما بلورته تيارات القومية العربية وكما تعيد إنتاجه خطابات التطرف في الدفاع عن البعد الأمازيغي الواحد والأوحد للهوية المغربية.
فلأول مرة نسمع عن أحكام كبرى قيل إنها ستساهم في تغيير رؤانا لتاريخ المغرب القديم، قبل استكمال البحث والتدقيق والتقصي، ومن دون احترام المسافة الزمنية الضرورية التي يجب على الباحث الأركيولوجي مراعاتها في استنتاجاته وفي أحكامه قبل تقديم خلاصاته.
لن يستطيع الأستاذ يوسف بوكبوط الإجابة عن عشرات الأسئلة، بل ربما مئات الأسئلة، لسبب بسيط يتمثل في استعجاله الإعلان عن نتائج أبحاثه بعد أن اختار وسائل الإعلام وقنوات التواصل الاجتماعي لتقديم هذه النتائج، وكأني به في سباق ضد عدو مفترض وجب تقديم “أي شيء” كسلاح للتجييش بعيدا عن المنتديات العلمية للتمحيص وللتدقيق.
رجاءا، اتركوا الباحثين يشتغلون بعيدا عن نزواتكم وعن أحلامكم، ففي ذلك ضمان لنزاهة الموقف ولنبل المقصد ولمصداقية البحث..