تحظى العاصمة المغربية الرباط بقيمة عالمية استثنائية، وقد أدرجتها اليونسكو رسميا في عام 2012 عاصمة حديثة ومدينة تاريخية ( تراث مشترك ) على قائمة التراث العالمي؛ فالرباط الحديثة صممت في بداية القرن العشرين، وهي من أكبر وأكثر المشاريع الحضرية التي نفذت في إفريقيا في القرن الماضي.
ورقتنا اليوم تنقلنا إلى الموقع الأثري الشهير ” شالة”، حيث عبق التاريخ وثقافة العصور، فتعالوا نستكشف معا بعض خبايا هذه المعلمة التاريخية.
الموقع الأثري والتاريخي ” شالة “
سميت ” شالة” قديما باسم سلا، وهي كلمة تعني في اللغة الآرية والفنيقية الكثرة، ويحتل الموقع الأثري ” شالة ” مكانة استراتيجية في قلب العاصمة الرباط، بحيث تم تصنيفه كمعلمة تاريخية منذ سنة 1920، إذ يتمتع بقيمة تاريخية وأثرية لا تقدر بثمن.
يقع موقع ” شالة ” الأثري على الضفة اليسرى من واد أبي رقراق، وقد ذكره المؤلفون الرومانيون تحت إسم “سالا”، وهو موقع يجسد بقايا المعابد، والحمامات، والبازيلكا، والكابيتول ( المعبد الرئيسي)، والفوروم ( الساحة العمومية). فعلى أنقاض المدينة القديمة بنى المرينيون في نهاية القرن الثالث عشر مقبرة محاطة بأسوار مهيبة لا تزال حاضرة إلى اليوم بشالة فتزيدها روعة وجمالا.
يجسد هذا الموقع الأثري ثلاث فترات من تاريخ المغرب؛ الفترة الأولى مثلها العصر الموري ما قبل الروماني، والفترة الثانية جسدها العصر الروماني، أما الفترة الثالثة فمثلها العهد الإسلامي، وقد أصبح الموقع خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر مقبرة للسلاطين المرينيين.
فمنذ التخلي عن الموقع في القرن الثامن عشر، تحول المكان تلقائيا إلى حديقة ساحرة مليئة بأشجار البرتقال والنباتات البرية، فتظهر هنا وهناك القباب البيضاء حيث دفن الرجال المقدسون.
إن موقع شالة هو أحد المكونات الثمانية للرباط، وهو يعد واحدا من المواقع التاريخية الشاهدة على تاريخ المغرب القديم، لأجل ذلك أعادت أعمال الترميم الأخيرة له روعته، بأن انصب الاهتمام على الأسوار والمدرسة المرينية والخلوة التي تتضمن المسجد وعددا من الأضرحة، فضلا عن إنجاز مجموعة من الممرات الجديدة.
إن ” شالة ” كنز ثقافي حقيقي متمتع بالحماية، إذ يخضع للترميم والصيانة بشكل متواصل، ومن بين المستجدات التي عرفها هذا الموقع الأثري المتميز إنشاء مسار سياحي جديد، كما تم توفير خدمة الزيارة للموقع باستعمال الدليل الصوتي، إلى جانب تخصيص موقع إلكتروني خاص به، مع إبرام شراكة مع الشركة المتخصصة Shellah En Scène بهدف تقديم عروض وخدمات جديدة.
المسار السياحي الجديد ب ” شالة “
يقدم المسار السياحي الجديد بشالة غوصا حقيقيا في تاريخ المغرب، حيث تبدأ الزيارة من المدينة العتيقة لهذا الموقع الأثري، فيتمكن الزوار من استكشاف آثار العصر الروماني والموريطاني، والوقوف على المقبرة المرينية التي تبحر بهم في أعماق العصور الوسطى، لتنتهي الزيارة في حدائق الأبراج والتي توفر استراحة واستقبالا خاصا يعقب اكتشاف الكنوز الأثرية التي يزخر بها الموقع.
لقد تم وضع 29 نقطة مميزة على طول المسار الجديد، إذ يتم توضيح وتفسير خصائصها من خلال خوض الزيارة بالاستعانة بالدليل الصوتي، هذا الجهاز الذي يمكن الزوار من معرفة الكثير عن كل موقع، والحصول على معلومات تاريخية وثقافية ذات صلة بلغتهم الخاصة، كما يسهل عملية استكشاف التاريخ الرائع لشالة، وكذا الحفريات الأثرية التي تم إجراؤها إضافة إلى الأشياء التي تم العثور عليها هناك.
تدير موقع شالة الأثري شركة الرباط الجهة للتراث التاريخي، وهي معنية بالمحافظة عليه وتعزيز التراث الثقافي المادي وغير المادي به، وهذه الشركة تم تأسيسها في يناير 2023 من طرف الدولة ومجلس جهة الرباط سلا القنيطرة.
بقي أن نشير إلى أن ” شالة” موقع أثري يتميز بقيم روحية وطبيعية ساحرة وأخاذة، مما جعله قبلة للزوار ووجهة سياحية تثير فضول الراغبين في التوغل لاستكشاف تاريخ المغرب العريق.