وراء البيت ( قصة قصيرة ) / بقلم : ذ. عبد الحق الناصري
في نفس الموعد كان يزورني ذلك المغص الرهيب فأجدُني أكابد الخطا نحو بيتنا البعيد في أقصى المدينة.
كلما مَر بي أحدُهم وقرأ علي السلام، تمنيتُ لو لم يقرأ السلام، حتى لا أتكلَّفَ الرد بسلام يملأه الأنين.
بعد أكثر من نصف ساعة مشياً مريراً، هذا المساء، رمقتني صدفة إحدى الجارات أمسك بقوة خاصِرتي لكن لا أملِك إمساك زفير الألم، بادرتني: بك وجع؟ حملقتُ فيها وقلت لها كالمستعطف : نعم، ورأسي مُتدلٍ كغصن شجرة مكسور، وأردفَت : وجَعُك قديم، و شِفاؤك ليس بيد طبيب.
اِستدارت وأشارت إلي، أن اتبعني، سرت خلفها وأنا أرجو أن تمنحني بعض الراحة مما أنا فيه، وتكاد أنفاسي تنقطع.
نادت ابنتها رحمة ،أحضري فراشاً وهيئي لي ماء ساخنا، وخرقة بيضاء والزيت، سعدتُ حين طلبت الفراش أولاً.
اِستلقيت على ظهري في باحة البيت الواسعة، وأنا اتنفس الصعداء، مدت يدها إلى بطني باسم الله، ولم تتوقف عن ترديد أذكار لم أميز منها سوى اللهم صل وسلم على سيدنا محمد.
وهي تحرك أصابعها بدقة متناهية فوق مكمن الوجع، أحس وكأنها تزيل عن جسدي الحجَر ، ماء ساخن ودعك من أسفل إلى أعلى، تم زيت في الخِرقة الساخنة، وكلما دعكت أحسست برغبة في نوم عميق. لا ينبهني غير ترديدها، أه، أه أه. يا لطيف يا لطيف.
عمَّت جسدي راحة لا توصف، وبدافع الفضول رغبتُ في معرفة سبب ما ينتابني من وجع قديم، اِبتسمت وقالت لي: قم بالسلامة، لن يزورك هذا الوجع أبدا.
بصراحة لم أصدقها.
لكن صدَّقتُها حين لم يزرني الوجع منذ ذلك اليوم، حتى تناهى إليَّ خبر دخولها المشفى، لمرض في بطنها أعادها جثة هامدة إلى بيتها رحمها الله. وتركَت وراءها جمهوراً عريضا كان يتردد عليها للاستشفاء على يديها. بلا ريال ولا درهم.