حضرت اختتام مهرجان القصر الدولي للمسرح بالقصر الكبير في نسخته الثالثة، حيث كانت القاعة ممتلئة عن آخرها، وتغص بالحاضرين، كنت أجلس في أواسط الصف الثالث، تمت المناداة علي لصعود المنصة كي أتسلم شهادتي التقديرية، كان العبور صعبا أمام ضيق المسلك أولا، والحضور المكثف الذي ملأ كل الجوانب ثانيا.
وقفت واستسمحت الجالسين في العبور، لم أركز من كانوا، ولم أتعرف وجوههم، لكني كنت حذرة من أن أزعج أحدا وأنا أمر بصفهم، كنت أردد : ” سامحوني .. سامحوني إن دست على قدمي أحد، أو أوجعت أحدا بغير قصد، المعبر ضيق جدا”، ماكان من الجالسين إلا أن رددوا بصوت جماعي: ” لاتهتمي اعبري ودوسي كما تشائين، سامحناك”؛ وبدأوا يوفرون لي بعض المساحة كي أمر بيسر وألتحق بالمنصة بلا تعب أو جهد.
صعدت المنصة وتمت كل الأمور على خير، وكان حريا بي الرجوع إلى مقعدي، وطبعا وسط الاكتظاظ الموجود، ومرورا بمقاعد الجالسين بصفي، الذين استأذنتهم مجددا بالعبور مرددة كلمة :” سامحوني”. كان الجواب هذه المرة مصحوبا بابتسامات وبعبارة : ” بالصحة والراحة”، وهم يقصدون تهنئتي بالشهادة التقديرية التي بين يدي.
لو أنني تصرفت في ظل الظروف التي يسودها هذا الضغط الكبير، والحضور المكثف، تصرفا غير الذي أقبلت عليه، كأن تعاملت مع من هم حولي، بعجرفة وحب ذات وعدم احترام، حتما كانت النتيجة شيئا آخر، وقد أنطح أنا الأخرى و أتعرض لأذى، وتأخذ الأمور مجرى آخر غير مجراها الطبيعي، الذي احترم من البداية قواعد وأصول التعامل مع الغير.
سردت كل هذا، لأقول بأن علاقاتنا تحتاج الى قليل من الود فقط، كي نعيش جنبا الى جنب في سعادة وهدوء. هذا الود الذي صار مفقودا، ففسح المجال لمجموعة من الأمراض التي تنمو وتكبر بداخلنا، وبدل أن يستعمل المرء حقه أحسن استعمال، بات متعسفا في هذا الاستعمال.
نسأل الله تعالى الهداية والثبات والصلاح، فالعنف لايولد إلا عنفا أكبر، والوداعة والأدب تجني ثمارا طيبة كما رويت لكم.
محبتي.
(نشر بتاريخ أبريل 2016).