إعداد: أبو الخير الناصري
اهتم الأستاذ الباحث الشريف محمد العربي العسري، منذ سنوات، بالتنقيب في التاريخ الثقافي والاجتماعي للقصر الكبير، وأصدر أعمالا مفيدة قدمت خدمات جليلة للحركة الأدبية والعلمية بالقصر الكبير خاصة، وبالمغرب عامة، من أبرزها “أقلام وأعلام من القصر الكبير في العصر الحديث” (في ثلاثة أجزاء)، و”يهود القصر الكبير” (بالاشتراك مع الباحث محمد أخريف)، و”القصر الكبير: صور تحكي” (بالاشتراك مع محمد أخريف).
من الأعمال الأخيرة للأستاذ العسري كتابه “مع محمد الخمار الكنوني في آثاره الأخرى” الصادر ضمن منشورات جمعية البحث التاريخي والاجتماعي. وحول هذا الكتاب كانت هذه الدردشة:
سؤال: صدر لكم، أستاذي الكريم، كتاب جديد بعنوان “مع محمد الخمار الكنوني في آثاره الأخرى” من أهم محتوياته قصائد عمودية وتفعيلية نشرها الشاعر الراحل ولم يجمعها بين دفتي ديوانه “رماد هيسبريس” ولا بين دفتي ديوان آخر. ما الدافع للإقدام على جمع تلك الأشعار؟
جواب: ارتبط اسم الراحل محمد الخمار الكنوني بديوانه الوحيد “رماد هيسبريس” الصادر سنة 1987. وحول هذا الديوان قُدمتْ دراساتٌ عديدة، إذ عُدَّ عملا تأسيسيا كبيرا وحجر الأساس في انطلاق وتطور ورسوخ القصيدة المغربية الحديثة والمعاصرة.
بيد أن “رماد هيسبريس” لا يضم جميع القصائد التي أبدعها الشاعر عبر مسيرته الفنية، ففي مطلع العقد الستيني من القرن المنصرم نَشرَ قصائد ونصوصا كان أغلبها من الشعر العمودي وأقلها من شعر التفعيلة. وأظن أن البداية كانت مع صحيفة العلم، وبعدها مع مجلة دعوة الحق التي نشر بها عددا هاما من قصائده العمودية، كما نشر في مجلتي آفاق وأقلام نصوصا أخرى، فضلا عن مجلات أخرى كـ”المشاهد” و”الوعي”.
لكن الشاعر حينما فكر في إصدار ديوانه الشعري، أو حينما ألح عليه بعض الأصدقاء بضرورة جمع قصائده ليضمها ديوان واحد، اختار من بين قصائده نصوصا بعينها، معتبرا أنها ربما مثلتْ النموذج الفني الذي كان يصبو لتحقيقه. لكن الباحث في مسيرة شاعر مؤسس كمحمد الخمار الكنوني، قد لا يقتنع بما اختاره صاحب “رماد هيسبريس” من نصوص لأنه في حاجة إلى مساءلة المرحلة الأولى من مسيرته الفنية مرحلة البدايات، ليتسنى له عبر نصوصها ما يمكن استخلاصه من خصائص فنية، ومن مضامين اجتماعية ورؤى إنسانية… لهذه الأسباب وغيرها فكرت منذ مدة طويلة في جمع قصائد الخمار التي أبدعها في تلك المرحلة.
سؤال: قد يعترض بعض الناس على عملكم بالقول إن الراحل محمد الخمار الكنوني قد أبدى تحفظه فيما يتصل بقصائده العمودية وعدَّها تمرينات كتابية، مفضلا تركها منجمة في الجرائد والمجلات..
جواب: التحفظ الذي أبداه الراحل في عدم جمع قصائده العمودية ونشرها في ديوان خاص، مردُّه، في اعتقادنا، إلى ابتعاده عن كل ادعاء زائف، فهو لا يرى في تلك القصائد سوى تمرينات، بيد أن الدارس المتفحص لتلك التمرينات الكتابية قد لا يشاطره الرأي، فبالرغم من التفاوت القائم بينها إلا أنها كشفت عن ميلاد شاعر يمتلك موهبة خلاقة سيكون لها أثرها الكبير في رسم معالم قصيدة مغربية حديثة تضاهي مثيلاتها في المشرق العربي.
وقد لاحظ صفيه وخليله ورفيقه في درب الكلمة د.حسن الطريبق ما امتازت به قصائد الخمار العمودية فقال عنها: “حينما بدأ الخمار نظم الشعر بدأه بالعمودي، وقصائده العمودية كانت قوية أصيلة، وهي قصائد يجب أن تخرج إلى الوجود لأنها من تجربة الشاعر”.
سؤال: بالإضافة إلى الأشعار العمودية والتفعيلية للخمار الكنوني اهتممت بجمع أعمال أخرى له. حدثنا عن هذا الأمر.