تشهد بيوت الله في رمضان المعظم حركة دؤوبة، فيكثر الإقبال على المساجد في هذا الشهر الفضيل تقربا إلى الله عز وجل، وطمعا في كسب الأجر والثواب، غير أن إهمال بعض السنن النبوية أو الجهل بها أو تركها مع العلم بها يكون طاغيا أحيانا في بعض بيوت الله خصوصا منها التي تكون في أحياء سكنية شعبية وفي منآى عن المساجد الكبرى التي تعرف كثافة عظمى من حيث تقاطر المصلين.
مظاهر في الصلاة ليست من السنة النبوية
تشيع في الأوساط الإجتماعية كثير من المظاهر التي تسيء للصلاة وما ليس له علاقة بالسنة النبوية الشريفة، فيرى المرء بالمساجد مالا يليق من الأفعال والتصرفات، وما يؤذي المشاعر ويبعث على النفور والانزعاج، ولعل أبرز ما يثير حفيظة المصلين هو تسابق البعض إلى الصف الأول ولا يرضون بغيره بديلا لإقامة صلواتهم، وكذا ترك كراسي و مقاعد وسجادات خاصة مصطفة في الصفوف في غيابهم، تمنع الغير من إتمام الصف لكونها تشير إلى أنها محجوزة لأصحابها الذين قد يلتحقون للصلاة وقد يتغيبون لظروف معينة.
يظل الصف غير مكتمل في الصلاة، الشيء الذي يعبر عن سوء أخلاق وأنانية وكبر من طرف الفاعلين، إذ أن المساجد هي لله، وما وجدت إلا ليصلي الناس فيها جماعة بقلب مؤمن واحد موحد لله عز وجل، متبع لسنة نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وليس ليفعل فيها كل ما اشتهت نفسه وطاب له وكأنه في استمتاع بملك خاص يخول له حرية التصرف والاستفادة الشخصية الشاملة.
قد يزداد الوضع تأزما عند ولوج الجناح الخاص بالنساء في المساجد، حيث تحضر سيدات وبين أيديهن أطفال رضع لا يكفون عن الصراخ والبكاء، فيشوشون بأصواتهم على عامة المصلين، كما قد ترافق بعضهن أطفالها الصغار بأعمارهم المتقاربة وبمجرد أن تدخل بيت الله صحبتهم تتجرد من كل المسؤوليات اتجاههم، فتتركهم يلعبون ويركضون ويقفزون كما يحلو لهم في زوايا المسجد في إزعاج وإضرار بالمصلين، فتكتفي بالنظر إليهم من بعيد في انشراح وسرور واطمئنان على وجودهم صحبتها غير مكترثة للأذى الذي يسببونه لكافة المصلين.
لا يقف الأمر عند هذا الحد، بل هناك من تأتي للمسجد للقاء صديقة أو صديقات لها، لا ترغب في الصلاة إلا بجوارهن حيث يرتبن للموضوع خارجا، فتجدهن يدفعن بكل مصلية لمكان بعيد ويفسحن لبعضهن البعض على حساب الباقيات، كي يتيسر لهن الهمز واللمز والغيبة والنميمة ولو بداخل بيوت الله. تملأ أصوات هؤلاء المسجد صخبا وضجيجا ويضطر خطيب الجامع في الكثير من الأحيان للتوقف عن خطبته وطلب تحلي النساء بالصمت والإنصات وتذكيرهن بأنهن في المسجد وللمسجد حرمة وقدسية خاصة، وبأن مجلسهن هو مجلس تعبد وليس مجلس لغط ومسامرة.
إكتمال الصفوف في الصلاة وتسويتها
ليس من هدي الحبيب المصطفى ولا من سنته النبوية الشريفة عدم إتمام الصفوف وعدم تسويتها في الصلاة، ومن خالف هديه وسنته – صلوات الله عليه وسلامه – فهو أمام خيارين: إما أن يصلي ببيته فيريح نفسه ويريح الناس معه، وإما أن يكف عن كبره ويتواضع مع باقي المصلين فلا يرى في نفسه الأفضل من العباد لأنه لا يعلم منزلته ومنزلة غيره عند الله، مثلما لا يحق له اعتناق هذا التفكير أو تبني هذا السلوك المشين الذي يسبب فوضى وسوء نظام وانتظام ببيوت الله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أقيموا الصفوف وسدوا الفرج” * . وقال عليه ازكى الصلاة والسلام: ” سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة” * .
فمن حسن إتمام الصفوف ان لا يبدا احد في صف حتى يتم الذي قبله، عملا بقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : ” أتموا الصف المقدم، ثم الذي يليه، فما كان من نقص، فليكن في الصف المؤخر” ، وبذلك فإن كل مصل ينشىء صفا جديدا للصلاة خلف صف لم يكتمل يكون قد وقع في المحظور.