يقبل الناس بكثافة على تقليد سلوكات وتصرفات لا تمت بصلة لهويتهم الثقافية ولشريعتهم الإسلامية باعتبارهم ينتمون لأمة الإسلام، فيطلون علينا مفاخرين متباهين بما هم عليه من حال غريب ومظهر عجيب، ظانين أنهم يمثلون الحضارة الحقة، غافلين عن أن الحضارة كل الحضارة في التمسك بجوهر الدين الأصيل، وباتباع تعاليمه السمحة وسنة نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
سنن نبوية. مهجورة
في عصرنا الآلي المتطور، باتت سنن نبوية كثيرة مهجورة في مجتمعاتنا، نجم عنها قلب موازين عدة، وتسمية مفاهيم بمسميات ملغومة ظاهرها سكر وباطنها حنظل، وما أمر طعم الحنظل !!
إن هجر الناس لسنن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لم يأت من فراغ، بل من تشبع الناس بثقافات مغايرة، ولميلهم المفرط للتبعية الغربية واتخاذ الغرب نموذجا وقدوة، في الوقت الذي لمعشر المسلمين أسوة حسنة في خاتم الأنبياء والرسل محمد صلى الله عليه وسلم، هذا النبي الكريم الذي تشهد أخلاقه الرفيعة على سمو مكانته، ويشهد نبله على إنسانيته الراقية التي لا تزيده إلا محبة في القلوب صلوات الله عليه وسلامه.
عدم عيب الطعام
من الأفعال الجليلة المحمودة التي لزمها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في حياته أنه ما عاب طعاما أكله، ولا شرابا شربه، حيث كان صلى الله عليه وسلم كلما هم بتذوق طعام بسمل قبل أن يضع اللقمة في فمه، فإن استطاب طعم الأكل أكله، وإن لم يستطع سكت ولم يعبه أو يقول فيه قولا قبيحا، على نقيض ما ينتشر في العديد من البيوت حاليا، حيث عيب الطعام صار فعلا عاديا لدى فئة عريضة من الناس، وعيب الطعام أن يقول المرء: ” طعام مالح، أو حامض، أو قليل ملح، أو رقيق، أو غليظ، أو غير ناضج، ونحو ذلك” *.
يتجلى هذا السلوك – عيب الطعام – واضحا خصوصا في العزومات والولائم التي يدعى إليها المدعوون في مناسبات مختلفة، وربما يفرش ظلاله أيضا في شهر الصيام حيث تقضي ربات البيوت ساعات طويلة في تهييء الطعام ويبذلن جهدا كبيرا من أجل إطعام أهل بيوتهن فمايلبث بعضهن أن بجنين في النهاية الانتقاد اللاذع وسوء تقدير الجهد المبذول.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ” ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط، كان إذا اشتهى شيئا أكله، وإن كرهه تركه “.
فمما يستفاد من الحديث النبوي المذكور أن عيب الطعام سلوك مخالف للسنة، لما فيه من جفاء الطبع، وكسر الخاطر وجرح المشاعر والأحاسيس، إضافة لما فيه من احتقار للنعمة، والنعم أولى بأن تشكر ويثنى عليها وليس أن تزدرى وتحتقر.
فما أحوج الناس في الوقت الراهن لترويض النفس على هذا السلوك ( عدم عيب الطعام )، وما أحوجهم إلى استنهاض الهمم وإمعان النظر فيما واظب عليه رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من سنن هي اليوم متروكة ومتجاوزة في تعاملات الناس، رغم ما تحمله من خير وبركة وحسن ثواب، وما تذكيرنا بهذه السنة النبوية المهجورة في هذا الموضوع إلا ليتجنب المعيبون هذا السلوك، فإن استطعموا واستلذوا طعاما، أكلوه، وإن لم يعجبهم ولم يستحسنوه سكتوا وتركوه، وذلك حتى تتربى الأجيال الصاعدة على هذا النهج القويم والخلق النبوى السليم.
* قاله النووي ” شرح مسلم ” (22/14).