يتردد اسم “عيوش” كثيرا على شِباك التواصُل الاجتماعي، ويُوصَف بصفاتٍ كثيرة متضاربة، ويُلصَق اسمُه بحَرَكة إصلاح التعليم، وتُعقَد مَعه محاورات صحفيةٌ بل عُقدَ مَعَه لقاءٌ في القناة الثانية وحَضَرَ في محاوَرَته المؤرخ عبد الله العروي الذي مسَّ مسألةَ الجدل حول اللغة العربية والدارجة في المشهد اللغوي المغربي مَسًّا خفيفاً، دون الغَوص في مسألة السياسة والتخطيط، مع استبعادِ القناةِ مَن هم مُتخصصونَ في الشأن اللغوي واللساني وفي السياسة اللغوية والتخطيط…
فقَد أثار الرجلُ أو أثيرَ له حَرَكَةٌ غيرُ مألوفَة وغير عادية، كيف يُمكنُ أن تُفسَّر ونحن نَعلم أنه نكرةٌ لا علاقَة لها بتعليم ولا فكر ولا تنمية اقتصادية ولا اجتماعية وليسَ رمزاً من رموز العلم الذي يُحسَب له في اتّخاذ القرارات حسابٌ.
الحقيقَة أنّ المَدعوَّ “عيوش” ليسَ إلاّ أداةً تُحركُها يد لا تُريد الظُّهورَ لأنّ في الظّهور خُسراناً للعبة وفشَلاً للمشروع. فقَد يُوَفَّقُ “عيوش” في أداء الدور المُسنَد إليه وقد يخفق، وإذا ما أخفقَ ألقيَ به إلى مَطرحِ الدُّمَى وبُحثَ عن أخرى لأَداءِ الدور نفسِه.
فالحديثُ اليوم عن “عيوش” والكلمات الدارجة التي راجَت في بعض الكتُب المدرسية، ليسَ هو القضيةَ ولا يَنبغي أن يَكونَ بؤرةَ الحديث؛ فقد آن الأوانُ اليومَ لعَقْد المجالس والمناظرات واللقاءات وتنوير الرأي العامّ بمآل هذا الوَطَن إذا مُكِّنَ لمشروع التّدريج الضّيّق. آن الأوانُ لتوعية الناس أنّ المشكلةَ ليسَت في عيوش لأنه لا يتعدى حُدودَ ما رُسمَ له وأُسنِد إليْه، وليسَت في الدّارجة المغربية لأنّ الدارجةَ كانَت وما زالَت لغة التخاطُب اليوميّ للمَغاربَة، التي تَعيش في كنف العربية الفُصحى، إلى جانب اللغة الأمازيغية، في ودٍّ وانسجام بين اللغات الثلاث.
المُشكلةُ أيها السادة، أيتها السيداتُ، هي اللغةُ العربيةُ نفسُها، فهي الخَطَر المهدِّد لمشاريع النخبَة المتحكّمَة النافذَة المتسلِّطَة، العربيةُ تَحملُ مَشروع الوحدة الكبرى، وتُقرِّب مسافات الروح والعقل والتاريخ والعقيدَة بين مَشرق العالَم الإسلامي ومغرِبِه، العربيةُ تُهدِّدُ مَصالحَ النخبةِ إذا ما تَمَكّن البَلَد من التعريب، أن يُصبحَ في يوم من الأيام كما كانَت مصر أم العالَم العربيّ، أو سوريا أو العراق قبل السقوط، فتعريب الحياةِ خطرٌ حَضاريّ يُسقطُ تبعيّةَ المغرب لفرنسا ويُسبّبُ الاستقلالَ والمنافَسَة الشرسةَ، فينبغي أن يَكونَ بَدءُ الهَدم ومُنطَلَقُ الإسقاط من المقوِّمات الجامعَة فإذا تَلاشَت الحبالُ بيننا وبين العالَم الإسلامي الكبير، سقطنا في حُفرةٍ ضيّقة ونَفَق مظلم، وازدادَ اعتمادنا على فرنسا أكثر مما كنّا على عهد الاستعمار.
فلاحظْ كيفَ ظلَّ المُتخَفّون في مأمَن من الظُّهور والعَلَن، وامتصّوا غَضَبَ الشعب في شخص عيوش. وهذا الوضعُ يدلُّ على أمارات :
– المَشروعُ الذي يُنادي به المتخفُّونَ فاسدٌ مَرفوضٌ إذا ما أُظَهِرَ بأسمائهم و صِفاتهم فستسقُط “هيبتُهم” المصنوعَة.
– أصحابُ المشروع يَعملون لصالح مشروع عَزل المغرب عن محيطه التاريخي اللغوي العَقَدي الكبير، وهذه بنية عميقَة سيئة ينبغي إخفاؤُها وراءَ بنية ظاهرة خادعَة هي مَغربَة البَلَد واستقلالُه وخُصوصيتُه والنفخُ الكاذبُ في ذاته المتورِّمَة.
– أصحابُ المشروع أصغر حَجماً وأقلُّ خبرةً من أن يُواجهوا أصحاب الشأن العلمي والفكري والتعليمي والاقتصادي في البلاد، لذلكَ فهم يَخبطونَ خبطَ عشواءَ في تدبير طرُق تصريف مشاريع العَزل.- من المؤكَّد أن “عيوش” ليسَ رمزاً ولا علامةً مرموقةً في سماء العلم والفكر والتعليم، ولكنه شخص من أبناء الوَطن أُغرِيَ بمغرياتٍ لكي يُلبسَ عباءَةً ليسَت له ويتكلمَ بصوت ليس صوتَه،
– ولكنّ الذي لا يَختلفُ يه اثنان ولا ينتطحُ فيه عنزان، أنّ “عيوش” لم يُحسنْ التعريفَ بالمشروع، ولم يَكنْ له العلمُ المتخصص الواسعُ بالشأن اللغوي والسياسة اللغوية، ولم تكنْ له الوسائل الحجاجيةُ القويةُ للتمكين للمشروع والدفاع عنه والردّ على المنتقِدين. فلمّا لَمَسَ الشعبُ فيه الضّعفَ والضّحالةَ والإسفافَ استوجَبَ منهم السبَّ والشتمَ…
– آن الأوانُ لكي يَنتقلَ الناسُ من السبّ والشتم و”التنكيت” الذي يستنزفُ الطّاقَةَ بلا نتيجَة، وينتقلوا إلى تدبير المرحَلَة التي هي مأزقٌ حضاريّ ومُنعَطَف يتعيَّن على البَلَد المرورَ منه بنجاحٍ وتفوُّق مع ربحِ قضيّته التي هي قضية اللغة الوطنيّة والهوية الوطنية العادلَة، في زمن سُقوط الهويات وتمزُّق الذّوات وهجرَة الكَفاءات.