علمني هادم اللذات أن أدخل المقبرة بخطى واثقة أني يوما ما سأسكن أحد القبور، وبدل أن أمشي فوق الأرض مثلما الحال الآن سأصير في بطنها.
علمني أن الأرواح العزيزة التي تخطف من حولي، ومن قلب مسكني ومحيطي أن الدور آت علي لا محالة، وأن لقاء الله يحكمه أجل محتوم وقدر مكتوب.
علمني أن الحياة بمفاتنها وجاذبيتها إنما هي كذبة كبيرة، من آمن بها وصدقها وانغمس في ملذاتها بغباء عانى كثيرا وخسر سعادته في الدنيا والآخرة.
علمني أن السند الأول و الأخير هو الله، حين أشكو يسمع شكواي، وحين أبكي يمسح دمعي، وحين أقع يمسك بيدي لأنهض، وحين أضل الطريق وأنطق : يا رب، لا يتأخر في الرد علي: نعم أمتي.
علمني هادم اللذات أن لا أخاف من أحد إلا الخالق سبحانه، وأن لا أشهد إلا بالحق، ولا أنطق إلا الصدق قولا وعملا وإحساسا لأن الحياة القادمة لا باطل فيها ولا كذب ولا افتراء ولا تصنع ولا ادعاء.
علمني أن أصادق الأموات كما الأحياء، حتى إذا ما دخلت المقبرة سلمت عليهم جميعا، وابتسمت لهم، ودعوت الله تعالى أن يرحمهم ويغفر لهم ويغمرهم برضاه.
علمني أن السعادة كل السعادة هي الفوز بالجنة، وأن كل ما نبلغه في الدنيا سيبقى فيها، حتى أسماؤنا وألقابنا سنتجرد منها، فلا داعي للغرور ولا مجال للاستعلاء والتفاخر.
علمني أن القوة لله، والعزة لله، والدوام لله، ولو كان الدوام لغيره ما حقق الناس المكاسب وبلغوا المناصب بتداولها بينهم، ولظل كل واحد متمسك بكرسيه وعرشه ومكانه.
علمني هادم اللذات أن لا أحد يملك مفاتيح الرزق غير الله، هو المعطي وهو المانع، هو النافع وهو الضار، وما يصيب الناس من منافع ومضار إلا بإذنه، فلا حاجة للتملق وتغيير الجلد حسب المصالح، ولا حاجة لنفث الشرور ونشر المكاره وسد أبواب النعم في وجه الخلق.
علمني أن لا كلمة تعلو على شرع الله، ولا قانون عادل غير القانون الإلهي، ولا محكمة منصفة للمظالم غير المحكمة الربانية.
علمني أن الفقر هو فقر الروح من الإيمان، وأن الغنى هو غنى النفس وتعففها عن الوقوع في المعاصي .
علمني أن أذية الناس في أعراضهم وأرواحهم وممتلكاتهم شر كبير وجرح غائر قد تداويه الأيام والسنين وقد يرافق الناس إلى مراقدهم بالقبور.
علمني هادم اللذات أن مدة الفرح محدودة ومدة الحزن زمنها معدود، وأن الذكريات هي كل ما يتبقى من كل فرح وحزن نعيشه.
علمني أن أذكر كل روح زكية أبية رحلت وتركت بصمة جميلة في حياتي، وأن أحفظ حسن صنيعها فأتوسل الله أن يحعلها في ميزان حسنات صاحبها وتكون سببا من أسباب دخوله الجنة.
علمني أنني كلما كبرت سنة زاد اقترابي من حفرة قبري، وكلما اقتربت أكثر ضعفت قوتي ووهن عظمي وصار كل شيء في يئن.
علمني أن أكون أنا، بمزاياي وعيوبي، بحسناتي وسيئاتي، وأي صورة أخرى أتقمصها ستتبرأ مني عاجلا أم آجلا.
علمني هادم اللذات أن لا شيء سيرافقني إلى لقاء الله غير عملي الطيب الصالح، فلأحاول وأحاول ثم أحاول أن يكون رصيدي من الصلاح أضخم ووزني من الجد والإخلاص أثقل.
علمني أن أكون امرأة عزيزة، لا شيء فوق كرامتي، ما هو لي سيأتيني وما لا نصيب فيه لا أجري خلفه، وأتركه كما تركني.
علمني أن الرب واحد، والعمر واحد، الرب حقت له العبادة والخنوع، والعمر لاق به أن يفنى في أثر طيب وذكر حسن ومقام محمود عند الله أولا وفي نفوس العباد ثانيا.
علمني أن أقول سلام عليكم جميعا، لا أحرق الله قلوبنا على فقدان أحبابنا، ولا أحزننا أو أرانا مكروها في عزيز. قولوا آمين فلكم من الدعاء نصيب.
هادم اللذات : الموت