الاختلالات والغش في الأشغال يدعو لفتح تحقيق في من يتحمل المسؤولية عن الحالة المزرية للقسم الداخلي التابع لثانوية وادي المخازن للتعليم الأصيل بالقصر الكبير ؟ وأنا بصدد إغلاق محفظتي في الحصة الأخيرة أنتظر خروج التلاميذ وقبل أن أغادر مكتبي تقدمت صوبي تلميذتان مجدتان ،ظننتُ مسبقا أن الأمر لن يعدو أن يكون سؤالا معتادا عن بعض فروع الصلاة أو الصيام أو حتى الغسل والتيمم.
استويت جالسا وتباطأت حتى أسمع منهما، فبادرَت إحداهما وبقيت الثانية تشير برأسها وكأنها تزكي قول صاحبتها التي تشترك معها نفس الهم . سألتني وبدون مقدمات عن حكم التيمم وهل يقوم مقام الوضوء ونحن في قر هذا الفصل الذي تنزل درجات الحرارة الدنيا إلى أربع ليلا وحتى فجرا. ادركت بفطنتي وقوة حدسي أن الأمر لا يتعلق بسؤال بريء لأستاذ مادة التربية الإسلامية الذي يقوم أحيانا ومضطرا مقام الفقيه،وإنما الأمر يتجاوز السؤال والاستفسار إلى شكوى من تلميذة تنقل صوت ما يزيد عن المائة من فلذات أكبادنا يعانين في صمت رهيب من مصيبة ألمَّت بهن وهن يستقبلن الفصل البارد القارس، بعيدات عن أمهاتهن وآبائهن الذين يحسنون الظن في المؤسسة التربوية يستأمنونها على بناتهن في ثانوية وادي المخازن للتعليم الأصيل.
إن انعدام وجود الماء الدافئ في المرافق الصحية بالقسم الداخلي في مدة تتجاوز الشهر، يشكل معاناة حقيقية تهدد السلامة الصحية لبناتنا وفلذات أكبادنا، وحتى لا أكون ممن يسيئ الظن فقد لزمت باب الصبر وطالبتهن بذلك واكتفيت بالدعاء لعل الله يرفع عنهن هذا البلاء خاصة وأن الأمر لم تأخذه الجهات المعنية مأخذ الجد ولا هي أعارته اهتماما لائقا. علما بأن القضية أصبحت معلومة لدى الطاقم الإداري وحتى التربوي لمؤسسة وادي المخازن وربما حتى لدى المديرية الإقليمية التي لم تحرك ساكنا إلا أخيرا مشكورة، وعلى جناح السرعة وقررت ترحيل خمسين تلميذة لإعدادية أبي المحاسن في بداية شهر دجنبر في وقت الاستعداد لفروض المراقبة المستمرة دون سبق إخبار، فكان أن أبعدتهن وفاجأتهن بالقرار الذي نزل على رؤوسهن كالصاعقة من غير احترام لشعارات الجودة وتكافؤ الفرص ومبدأ الإنصاف…وكل ما له علاقة بالمردودية الداخلية للمؤسسة التربوية.
وكنت وغيري من الأطر التربوية والإدارية نطمع أن تجود علينا المديرية الإقليمية بموظفة ترعى شؤون تلميذات القسم الداخلي طيلة مكثهن بين أسوار المؤسسة لكي لا يلقى بهن جملة و تفصيلا وبدم بارد خارج المؤسسة يتجولن بين الأزقة بحثا عن مكان آمن وبعيدا عن الذئاب البشرية والكلاب الضالة من البشر التي قد تنهش أعراضهن وهن يدفعن ضريبة التنصل من مسؤولية الحفاظ عليهن في بيتهن الثاني بشيء من العزة والكرامة.
علما أن قانون القسم الداخلي يقضي بخروج التلميذات من المراقد مع الثامنة صباحا ولايسمح لهن بالعودة إليه إلا مع الساعة السابعة مساء وتبقى هذه التلميذة في العراء طوال اليوم وسط هذا البرد القارس أو تائهة بين الأزقة و شوارع المدينة. وكم هي المناسبات التي كنت أصرخ فيها وأرفع صوتي مع بعض الغيورين نطالب الجهة المسؤولة عن الموارد البشرية أن تجود علينا بموظف يكون قيما على مكتبة المؤسسة، يسهر على استقبال أفواج من التلميذات وحتى التلاميذ الذين كتب عليهم الشقاء والفقر أن ينتظروا يوما أو بعض يوم تلك الحافلات المهترئة التي يتكدس فيها ابناؤنا هؤلاء وبناتنا كما يحصل مع بعض النعاج والأكباش دون حسيب ولا رقيب. ومرارا أتذكر قول غسان كنفاني في روايته (رجال في الشمس) لماذا لم يدقوا الخزان؟ ولسنا في حاجة أن نلمع صورة الفساد بأنشطة تنزل من السماء بعيدة عن أرض الواقع بأيام تحسيسية مرة بعناوين براقة فضفاضة خداعة ( داخليتي بيتي الثاني) ( الفتاة القروية أساس التنمية)، ( التلميذة وكيفية التعامل مع النظافة )، (الثانوية فضاء للإبداع)…
أحدث نفسي عن هذه الاختلالات التي طالت الترميم والإصلاح وإصلاح الترميم وترميم مابقي من إصلاح. سبق للقسم الداخلي الذي أنفق عليه أموال الشعب مئات الملايين، ولعل ذلك المبلغ كان يكفي لبناء مؤسسة داخلية جديدة بمعايير الجودة المطلوبة وبسعة خمسمائة سرير، ولكن في بلد آخر غير وطني الحبيب… وآسفاه على وطني وعلى منشآت وطني أتحسر أني كنت شاهدا على هذا الإصلاح أو إن صح التعبير ذاك الإفساد قبل خمس سنوات، كنت أتحسر وأتألم كيف يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، فأقول مع نفسي هذا هدر للمال العام في زمن ينبغي فيه ترشيد النفقات والحفاظ على ممتلكات الدولة.
قلتُ : من يتحمل مسؤولية ما وقع من تقصير وخراب في صفقة إصلاح مؤسسة القسم الداخلي ؟ وأين التدخل العاجل والسريع لإنقاد المتعلمات وضمان السلامة والأمن المناسب لهن ؟ وأين مؤسسات المجتمع المدني ؟ وأين هذه الجمعيات الحقوقية التي تهتم بالمرأة والطفولة ؟ وأين جمعية ما تقيش ولدي وما تقيش بنتي؟ وأين جمعية الآباء وأمهات وأولياء التلاميذ ؟ وأين فيديراليات جمعيات الآباء ؟ أين جمعية مدرسة النجاح في مؤسستي ؟ أين النقابات وأين الأحزاب ؟ أين هو المجلس البلدي ؟ وأين هي المجالس القروية ؟ باعتبار أن التلميذات من المداشر والقرى المجاورة. أين سادتي الأساتذة الكرام وسيداتي الأستاذات الكريمات ؟ ولا شك أننا نتحمل المسؤولية جميعا وسنحاسب على هذا التقصير و لأننا لا نحرك ساكنا .
وختاما وددت لو يتطوع معي بعض الفضلاء ممن أعرفهم أو حتى من لم أتشرف بمعرفتهم برفع دعوى قضائية في المحكمة الإدارية ضد الجهة التي غشَّت في صفقة إصلاح القسم الداخلي بثانوية وادي المخازن للتعليم الأصيل بالقصر الكبير في أقل من خمس سنوات، وإلى ضرورة فتح تحقيق عاجل في الموضوع لتحديد المسؤوليات في هذه القضية الخطيرة التي تساهم في حرمان التلميذات من الخدمات الأساسية وظروف العيش الكريم في مؤسسة تسهر على تسييرها وزارة التربية الوطنية وينفق عليها من خزينة الدولة وأموال هذا الشعب.