يختلف طعم الاحتفال بذكرى المسيرة الخضراء من قلب الحدث عنه في باقي المناطق المغربية الأخرى، وقد قدر لي أن أعيش فرحة هذه المناسبة الوطنية العزيزة من عاصمة الصحراء المغربية ” العيون” عام 2015، بعدما وطئت أقدامي أرض الصحراء يشهر وبضعة أسابيع من حلول الذكرى المجيدة.
كانت الأسابيع تتسارع والأيام تطوى بسرعة، وجو غير عادي طبع مدينة العيون مع اقتراب الاحتفال ب 6 نونبر الذي يخلد ذكرى المسيرة الخضراء المظفرة، تحركات هنا وهناك على قدم وساق، أشغال تنجز وعمل دؤوب ليل نهار، الأعلام الوطنية خفاقة في كل الشوارع والمحلات التجارية والأماكن العامة، وصور عاهل المملكة المغربية الملك محمد السادس نصره الله مرفوعة في أهم الفضاءات، ولافتات معلقة على طول الطريق عليها عبارات الترحيب بقدومه حفظه الله، والأناشيد الوطنية ينبعث صوتها من مكبرات الصوت وكأن الحدث التاريخي هو وليد اللحظة وليس له فترة زمنية تمتد لأربعة عقود.
” نداء الحسن” النشيد الوطني الذي أطرب مسامع عموم المغاربة إبان الحدث وما بعده، صداه يخترق كل الجواجز، فتهتز له النفوس مرددة إياه في حماس كبير، معلنة فخر الإنتماء لبلد المغرب ولوطن حقق النصر بمسيرة سلمية خضراء حمل فيها كتاب الله تعالى ( القرآن) بدل السلاح.
ما أجمله من شعور وأنت تحتضن ذكريات تاريخ عريق من وسط انبعاثه !! ما أروعه من إحساس وأنت تستحضر ما سجله التاريخ وما سطرته الكتب من أحرف ذهبية منلألئة في حق هذه الذكرى الوطنية المجيدة، فتتلمس كنهها وتسعد أنك مغربي والصحراء التي أنت تعانقها ميدانيا هي جزء لا يتجزأ من ترابك الوطني !!
1975 – 2015 تاريخ عريق له رمزيات ودلالات كثيرة مرتيطة ارتباطا وثيقا بواقعي الشخصي الذي لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يمحوه النسيان، فسنة 1975 ميلادية سنة عظيمة بإشعاعها، والاحتفال بذكرى المسيرة الخضراء في 6 نونبر من كل سنة كان دائما حاضرا بوجداننا عبر احتفالات مؤسساتنا التعليمية به منذ مراحل الدراسة الإبتدائية إلى يومنا هذا، وسنة 2015 ميلادية ستبقى سنة مميزة في تاريخ الصحراء المغربية، بعدما تحققت فيها الزيارة الملكية لمدينة العيون تحديدا ومنها لعدد من مدن الصحراء المجاورة بعد طول غياب، فتبادل الملك والشعب على حد سواء أواصر الحب والوفاء فوق التراب الصحراوي في فرحة عارمة باللقاء وتجديد لقيم المواطنة والالتفاف روحا وجسدا حول الوطن.
شخصيا .. كان من بين أمنياتي التي دعوت الله جل وعلا أن يحققها لي دخول الصحراء ومعانقة التراب الصحراوي المغربي الفذ، فكثيرا ما كانت تشدني صور ومشاهد المسيرة السلمية عل التلفاز، وكثيرا ما كنت أتأثر لرؤية تلك الوفود الكثيفة التي تقاطرت على المناطق الصحراوية بهدف تحريرها من قبضة المستعمر، كنت دوما أحلم أن أرى ذلك واقعا وليس مصورا تعرضه شاشات القنوات التلفزية، وقد استجاب الله تعالى لي، فكانت سنة 2015 سنة تحقيق الأمنية والحلم التي روت ظمئي في انتظار أن يروي الخالق سبحانه ظمئي الآخر بزيارة بيت الله الحرام إن شاء الله.
فإذا أتتك فرصة أيها القارىء الكريم لاقتحام عوالم الصحراء ميدانيا في الجنوب المغربي، لا تتأخر ولا تؤجل السفر والارتحال، فهناك عالم ساحر أخاذ في انتظارك، وتاريخ زاخر بالأمجاد والبطولات يحييك ويقبل جبينك، ورمال ذهبية تشهد على زحف أجدادك نحوها لضمها للوحدة الترابية، وشاحنات لا شبيه لها تعود بك لذاك الزمن الجميل والحقبة التاريخية التي كنبت بمداد من ذهب، وإبل تسترخص أرواحها إكراما لقدومك فتطعمك من لحومها وتسقيك من لبنها النادر الوجود في جل المناطق المغربية الأخرى، ومشاريع تنموية حديثة متجددة تذهل العقول وتسلبها.
عاش المغرب وعاشت الصحراء في ظله معززة مكرمة لا يفسد تعلقها بأهداب العرش العلوي المجيد حركات بهلوانية مثيرة للضحك تارة، وسلوكات صبيانية تبغي التشويش يبدع فيها أعداء الوحدة الترابية الذين يسعون إلى بناء مجد وبطولة مزيفة على حساب وطننا العزيز تارة أخرى، وهيهات هيهات يفلحون في إنجاح خططهم المسمومة وكسب رهان ألاعيبهم المقيتة.