تعتبر قصة ” عمى الألوان” واحدة من الأعمال الإبداعية التي أنتجها الفنان المبدع زكرياء التمالح كتابة ورسما، وهي عبارة عن قصة مصورة أو شريط مرسوم تدور أحداثه في مرحلتين زمنيتين مختلفتين :
مراحل القصة المصورة ” عمى الألوان “
المرحلة الأولى، تؤرخ للقرن الماضي وتصور كيف كان يعيش المغرب كمجتمع، وتسلط الضوء على واقع المرأة المتميز بنوع من القسوة والحيف، حيث كان دور المرأة يتلخص في إنجاب الأولاد والقيام بأشغال البيت وتحمل كل التبعات الشاقة التي تشكل عبئا ثقيلا عليها دون اعتراف لها بأي مجهود تبذله، وكأنها جاءت إلى الدنيا لأجل ذلك ومفروض عليها أن تكون كذلك، في الوقت الذي تسيد فيه الرجل، وتسلط واستبد معتزا بكونه الآمر والناهي وصاحب الكلمة الأولى والأخيرة في بيته وخارجه، لدرجة أنه إذا استوقفه صديق في الطريق أبعد الزوجة والبنت واستثناهما من سماع ما يدور من حديث بينهما في إعلان صارخ للتهميش والإقصاء الممنهج.
المرحلة الثانية، جسدها الواقع الحالي لهذا العصر، والذي شهد الانفتاح والتحرر وخروج المرأة إلى العمل ومنافستها للرجل في كل الميادين.
مشاهد من القصة المصورة : عمى الألوان “
يظهر في القصة رجل يدعى ” كبور”، متى ذهب إلى السوق مشى بعيدا من زوجته وابنته، ومرة صادف صديقا له يسمى ” جبور” رأى ابنته وأعجب بها، وهو رجل شيخ، متعدد الزواجات، جل زوجاته أنجبن له البنات، وهو يريد إبنا ذكرا حبذا لو يتزوج من امرأة صغيرة تحقق له رغبته تطبيقا لفكرة الذكر يخلد إسم أبيه. تمت الصفقة في السوق بين ” كبور” و ” جبور” وفق مهر غال وفي رمزية لتبضيع المرأة.
هذا المشهد من القصة سبق للأم أن حكته لابنتها، فأخبرت البنت والدتها أنها على علم به وبما أسفر عنه وهو إنجابها هي. تحكي البنت ما آل اليه زواجها من الشيخ، والذي طلقها لأنها أنجبت له هي الأخرى بنتا وهو ما أثار غضبه وعجل بالانفصال.
صورة الأم الحريصة على زواج ابنتها ولو على حساب توقفها عن الدراسة حاضرة بالقصة، وذلك في مشهد الأم الشابة الحديثة التي تحكي لابنتها قصة زواجها، وتخبرها أنها تتمنى رؤيتها زوجة في بيتها بدل متابعتها الدراسة، بينما كان للبنت رأي آخر ينساق نحو حلم الاستقلال بالذات وتحقيق الأماني بعيدا عن أي ارتباط أو زواج.
شقت البنت طريقها نحو العلم والمعرفة، وطرقت أبواب المباريات بحثا عن عمل، نجحت في مباراة التعليم، وكانت فرحة والديها بهذا النجاح كبيرة وسعادتهما بابنتهما لا تضاهيها سعادة.
أعجب بالبنت الأستاذة ثلاث زملاء أساتذة متدربين، لم يكن الإعجاب منصب على شخصها بقدر ما كان مركزا على وظيفتها، أقدم أحدهم على مفاتحتها في موضوع الزواج، ولما أيقنت أنها ليست المعنية بالأساس في هذا الزواج، وإنما أجرها ومرتبها الذي كان الآخر يلح في اقتسامه معها وجوبا، وصرفه وفق احتياجاته هو تحت غطاء مؤسسة الزواج، ثارت وغضبت وأعلنت عدم قبولها به زوجا.
لماذا ” عمى الألوان ” ؟؟
لقد رسمت القصة في بدايتها باللونين الأبيض والأسود فقط، وقد عمد الفنان المبدع زكرياء التمالح إلى ذلك بشكل مقصود سيما في رسمه للمرأة، أما الرجل في القصة فكان يظهر دوما بالألوان، وفي ذلك إشارة بليغة للتفضيل بين الجنسين، حيث لم تظهر المرأة بالألوان في مشاهد القصة إلا عندما ثارت على طالبي الزواج منها وكأنها تسترجع مكانتها المنوطة بها في المجتمع.
يعكس حضور اللونين الأبيض والأسود في القصة المصورة ” عمى الألوان” بهوت لون المرأة في المجتمع، وعندما تكتسيها الألوان تصير في تواز مع الرجل، فتستعيد قيمتها مثله كإنسان.
خلاصة القول، الألوان في القصة تكريس لقدر المرأة ومنزلتها وشأنها، واللون الأبيض والأسود تكريس للعقلية القديمة التي قيدت المرأة ورمت بها في براثن الخهل والتخلف وسوء التقدير.