أثار افتتاح المسبح البلدي بسيدي بلعباس، في مدينة القصر الكبير، تزامنا مع يوم الأربعاء 16 يوليوز 2014، مجموعة من ردود الأفعال المتباينة، حيث امتد صدى ذلك إلى خارج المدينة، وأخذ منحنيات مختلفة، ترتبط تارة بتضارب المصالح السياسية، وتارة بنية صب الزيت على النار، من أجل إشعال فتيل الفتنة بين الجنسين، بدعوى “المساواة” التي تسممت، بفعل تأثير أيديولوجيات دخيلة، أبعدتها عن معناها الحقيقي، وأفرغتها من محتواها الإيجابي النافع .
خرجت ردود الأفعال هاته مع صدور قرار استفادة الذكور من المسبح البلدي دون الإناث، والرجال دون النساء، مع الوعد بالنظر في أمر استفادة الجنس اللطيف من هذه المنشأة العمومية، والإعلان عن ذلك في إشعار آخر، بعد اتخاذ التدابير اللازمة والترتيبات الضرورية، التي تتناسب وخصوصية الوضع النسائي، في مجال السباحة وحق الاستمتاع بالجو العام داخل المسبح، بالشكل المطلوب نسبيا .
قوبل هذا القرار داخل المدينة، بالسعادة والرضى في صفوف بعض النساء، اللواتي اعتبرن استفادة الذكور جزءا لا يتجزأ من استفادتهن هن أيضا، على اعتبار أن توفر المسبح وجعله رهن إشارة الأبناء والأزواج والإخوة، أفضل بكثير من عدمه، سيما وأن أغلبية هؤلاء كانوا يقصدون السد أو النهر في الأجواء الحارة التي تشهدها المدينة صيفا، مما يعرض حياتهم للعديد من المخاطر، وعلى رأسها الموت غرقا، وهي الحالة التي سجلت وتسجل ارتفاعا ملموسا كلما اشتدت الحرارة بالمدينة. إضافة إلى أن توفر المسبح، سيتيح لأطفال المدينة السباحة في مكان أرقى وأسلم إلى حد ما، من تلك البركات المائية غير الصالحة للسباحة، والبحيرات الآسنة التي يقصدونها للعوم هروبا من لهيب الحرارة الصيفية، إلى جانب تجنيبهم الغطس في مياه النافورات، التي كثيرا ما شوهد الأطفال يقفزون إليها في مشهد مخجل.
وطبعا لن نستطيع الجزم باختفاء هذه المظاهر، مع توفر المسبح بالمدينة، لأنه بكل بساطة، هذا المسبح لايفتح أبوابه بالمجان لمرتاديه، بل بمقابل مادي، قد يكون في متناول البعض، فيما قد يعجز البعض الآخر عن تأديته، فيحافظون بالتالي على مواقعهم السابقة، بالنهر والبركات ومياه النافورات، بسبب مجانيتها .
كان هذا رأي من النساء، بينما عبر رأي ثان منهن، عن موجة غضب واستياء من هكذا قرارات، تستثني المرأة من الاستفادة من المرافق العامة، شأنها في ذلك شأن الرجل، فتحرمها من حق الاستمتاع، وتضرب مبدأ المناصفة وتكافؤ الفرص في العمق، علما أن الدستور قد كفل للمرأة حقوقا جمة، تجدر العناية بها، وتمكينها منها بشتى الوسائل، ومن ثم فإن المسبح الذي خرج إلى الوجود أخيرا، لابد للمرأة من أن تستفيد من استغلاله في غياب مسبح خاص بالنساء في الوقت الراهن.
إن المتأمل للرأيين سينتصر لهما معا على حد سواء، حيث أن قبول الرأي الأول، باستفادة الذكور دونهن من غير إبداء معارضة أو امتعاض، إنما جاء نتيجة اقتناع بكون التجربة في أولها، وستعرف مع الأيام تطورا، سيشمل استفادة المرأة بشكل عام، ثم إن شريحة مهمة من نساء المدينة لا يتقن فن السباحة في المسابح، لانشغالهن باهتمامات أخرى ذات أولوية أهم، وهو ما جعل موضوع المسبح واقتصاره على الذكور، لا يستاثر بكثير من الاهتمام من طرفهن، وإن كن راغبات في ولوجه مستقبلا، مصطحبات بناتهن للترويح عن النفس وتكسير روتين الحياة اليومية الرتيبة، وكذا لتحقيق التساوي في المعاملة بين الأخ وأخته داخل البيت الواحد، وعدم اشعار الأنثى بالنقص أمام أخيها الذكر، أو اشعاره هو بأنه متفوق عليها أو يرتفع عنها منزلة وقيمة، وهو يرافق والده بين الحين والآخر إلى المسبح، بينما تظل هي رفقة والدتها بالبيت، محرومة من هذا الحق .
هذا، وإذا كنا قد وجدنا هذا الرأي، قد تعامل بمرونة كبيرة مع الموضوع، فإنه من جهة ثانية، لا يعني تخلي النساء اللواتي تبنينه عن حقهن في الاستفادة والاستغلال بشكل مطلق ونهائي، إنما اعتبارا للظرفية الراهنة، التي تفيد بأن المسبح البلدي تنقصه العديد من المستلزمات والترتيبات، التي تسهل عملية ارتياد النساء لهذا المرفق، واستغلاله أحسن استغلال بما يتوافق وجنسهن .
الرأي الآخر الذي صدر عن النساء، عبرن فيه عن تمسكهن بحق ولوج المسبح البلدي، مثلما سمح للرجال تماما، تفعيلا للفصل 19 من الدستور، الذي ينص صراحة على المساواة بين الرجل والمرأة، في كل الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، من دون اكتراث لما يفتقر إليه هذا المسبح الحديث، لأنهن ضقن ذرعا بالاستثناءات التي تلاحقهن في كل مناسبة، والإقصاء الشامل الذي يطال حقوقهن المعترف بها قانونا، وبالتهميش الممنهج والناجم عن الهيمنة الذكورية، التي لا تعترف بمقاربة النوع في الحياة التشاركية، إن على مستوى التمكين من الحقوق، وإن على مستوى تقدير الجهود التي يبذلها النساء بشكل عام، موازاة مع الرجال، من أجل حياة أفضل للجنسين معا.
إن تغييب مصالح النساء خصوصا تلك المرتبطة بالاستفادة من الفضاءات والمرافق العامة، التي تخصص دائما للرجال دونهن، هو ما دفعهن الى الاستياء من القرار المطروح، علما أن نساء المغرب الأخريات بالمدن الكبرى، قد تجاوزن هذه المرحلة، وصرن قادرات على الحصول على الكثير من حقوقهن، والاستفادة منها من غير معاناة ولا مشاكل، وبذلك يكون المسبح البلدي هو القطرة التي أفاضت الكأس، بعد سلسلة عمليات تقصير في حقها، وسوء اعتبار لها، على الصعيد المحلي .
حري بنا التذكير بالطابع العام الذي تنفرد به مدينة القصر الكبير، بين بقية المدن المغربية. إنها مدينة محافظة، بما تشمله الكلمة من معنى، وهذا معروف عنها منذ الأزل، وليس وليد اللحظة، أو من مخلفات الثورة التي شهدها العالم العربي. ثم إن هذه المدينة العريقة، تحظى بخصوصية ثقافية، وموروث حضاري، تراثي لا يمكن أن يتفاعل معه في انسجام سوى أبنائها، ومن يقيمون معهم فوق ترابها، إذ أن المسبح المختلط فوق تراب القصر الكبير يستحيل القبول به، وإن حصل فلن تقبل عليه الأسر والعائلات المحترمة، بقدر ما سيكون فرصة للعابثين بالأخلاق العامة، يقصدونه للاختباء بين جنباته تحت غطاء السباحة، والمرأة القصرية الحرة ترفض رفضا باتا أن تطأ قدماها مكانا لا يشعرها بالأمان، ولا يحفظ كرامتها من التدنيس، وإن مسبحا عاريا، تطل عليه بنايات سكنية، ويحفه سور قصير من السهل القفز عليه، إضافة الى غياب طاقم نسائي، مشرف على حسن تدبيره داخليا، وافتقار هذا الأخير لغطاء يحمي الأجساد الأنثوية، ويمتعهن بحجم أكبر للحرية، وهن يستمتعن بأجواء السباحة على أحسن ما يكون، زيادة على ما يمكن أن يفتقر إليه هذا المسبح من وسائل تضمن السلامة الصحية للمرتاد.
ومن هنا تصبح مطالبة النساء عموما، بإنشاء مسبح خاص لهن، يتوافق وخصوصياتهن، ويتوفر على كل ما يجب توفيره في مثله من المسابح، مع تنبيه المسؤولين من الآن فصاعدا على وجوب التفكير بلغة ” نحن و هن” وليس لغة ” نحن فقط ” أثناء الإقدام على إنجاز أي مشروع يتعلق بالمرافق العامة، وإلا فإن صفة العامة هنا تفقد مدلولها ودورها، لأنها تتحول إلى خاصة، ومسموح بها لجنس ومحروم منها جنس آخر… أقول تصبح مطالب مشروعة ومدعمة بكل الحجج المقنعة.
إن المرأة والمسبح في مدينة القصر الكبير، نقطة تحول ترفع الإقصاء عن المرأة القصرية، التي لا تجد مرفقا يحتويها في حالات الملل والرغبة في الترفيه عن النفس رفقة بناتها، وكلنا نعلم الغياب الكلي للمنتزهات بهذه المدينة، والحرمان الشامل من ولوج بعض ما هو متوفر بها لاستغلاله من طرف الذكور فقط وبشكل مكثف .