إذا كانت للعولمة إيجابيات على صعيد التبادل التجاري و الاستثمار، وعلى صعيد الاتصال و الإعلام ونشر المعرفة، وعلى صعيد قيام ضغط عالمي لفائدة الديمقراطية وحقوق الإنسان، فإن هذه الإيجابيات بعضها حقيقي وبعضها مجرد وعود وآمال وتطلعات، وبعضها مجرد شعارات .
معلوم أن الولايات المتحدة الأمريكية لوحدها تتحكم في 65 % من المادة الإعلامية في العالم، وهو ما يفسر المخاوف القائمة من انتشار الثقافة و القيم الأمريكية في مختلف مناطق العالم.
نتفق جميعا على أن العولمة هي من صنع الأقوياء في عالم اليوم، تعمل بلا شك لمصلحتهم فيتحكمون بأدوات القوة ووسائلها لضمان مصالحهم و للحصول على أقصى الفوائد و الامتيازات . فالثورة التكنولوجية في مجال المعرفة والإعلام والاتصال ستؤدي لا محالة إلى قيام ثقافة عالمية واحدة تسود في جميع الأمم الشيء الذي يجعل الأصوات تتعالى حول مخاطر تآكل الثقافات و انمحاء الخصوصيات و هيمنة الأقوياء، ولعله الوضع المؤسف الذي نتخبط فيه اليوم نحن أصحاب المجتمعات النامية .
لقد باتت سلبيات العولمة ظاهرة للعيان، حيث اتسعت الهوة بين الفقراء و الأغنياء اتساعا متزايدا يجعل الحياة المعاصرة في كل بلد مطبوعة بالازدواجية و الانشطار الإقتصادي والإجتماعي و الثقافي، وقد انعكست أيضا على أطفال الأغنياء و أطفال الفقراء، ليظهر جيل منقسم الى قسمين لكل منهما عالمه الخاص مما يجعل التواصل داخل الجيل الواحد أصعب من التواصل بين الأجيال المتعاقبة . كذلك أضحى البعد الإنساني في النشاط التجاري و التنموي مغيبا ويطاله التهميش و الإقصاء ، مبدأه الغاية تبرر الوسيلة مع العناية كل العناية بالربح وجعله الغاية الوحيدة و القيمة الأسمى .
إن حضارتنا الخاصة تجعل الواحد منا مرتبطا بأسرته وأمته وبيئته، ولا يمكن سلخه عن ذلك بدعوى تعظيم الأرباح أو تحقيق أعلى درجة من الحرية الفردية، أو بدعوى العلمنة أو التنوير أو تحرير المرأة . فهذه الظواهر قد تكون حتمية بالنسبة للدول الأوروبية و الولايات المتحدة أو حتى في دول أوربا الشرقية و أمريكا اللاتينية ولكنها ليست حتمية بالنسبة لأمة الإسلام التي يراد تركيعها بمختلف الصور و الأشكال ومنعها من استعادة مكانتها المفقودة .
قد تغرينا كلمة عولمة وننجرف لتيارها، لكن علينا أن نحتاط من الوقوع في شباكها، فننسى أننا مسلمون لنا هويتنا وحضارتنا، عاداتنا وتقاليدنا التي تميزنا عن غيرنا، مهم أن ننفتح على غيرنا ونقف بأم أعيننا على ما وصلوا إليه من تقدم وتطور ونستقي منه ما ينفعنا، إنما لابد أن نتذكر دائما أننا أبدا لن نكون غربيين، مهما حاولناـ لا لشيء إلا لأننا مؤطرين مسبقا بدين صالح لكل زمان ومكان، وبمجتمع شرقي يخضع لضوابط ومقاييس تتعارض مع التوجه الليبيرالي المستبد .