كثر اللغو في السنوات الأخيرة حول لفظ المساواة، ونقصد هنا المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، إذ يزداد الجدال حدة بعد كل خطاب ملكي يلقيه عاهل المملكة المغربية محمد السادس حفظه الله إلى شعبه الوفي في مناسبة أو أخرى، فتتوجه الأنظار مباشرة إلى مدونة الأسرة وفصولها القانونية المفعل منها وما لم يفعل بعد وربما لن يفعل أبدا.
الملاحظ أن مجتمعاتنا تسيء استعمال اللفظ من منطلق سوء الفهم والوعي بمدلوله السليم، فصارت كلمة ” المساواة” تشهر في الوجوه متى أراد جنس الانتقام من جنس ثان رجلا كان أو امرأة، وصار لفظ ” المساواة” منفذا لإعلان الحرب بين الذكر والأنثى، بدل أن يوفق بين فكرتيهما ويعدل في حقيهما ويستخدم أفضل استخدام من أجل حياة مستقرة يسودها الود والوئام.
رجوعا إلى عبارة ” المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات” تجد شرعنا الإسلامي ( كتاب الله العزيز وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم) كانا سباقين للحديث عن المساواة وسنها، حيث هناك عدة آيات قرآنية تخاطب الرجل والمرأة على حد سواء، إما أمرا أو نهيا أو حتى عقابا، فنداء ” يا أيها المؤمنون ” الحاضر مثلا في أكثر من سورة قرآنية بالقرآن الكريم ينادى به على الجنسين معا بالتساوي، وكلمة ” الزانية والزاني” و ” السارق والسارقة” فيهما تسوية أيضا بين الجنسين عند الجزاء، وبالتالي فالمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات ليست وليدة العصر كي تخلق كل هذا الضجيج والثرثرة التي لا فائدة تجنى منها سوى تبادل الاتهامات وولوج دائرة الصراعات التي تقود في النهاية إلى الإهانة وأشكال العنف.
يقول الله عز وجل في كتابه العزيز مكرسا لمبدأ المساواة بين الجنسين : ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ سورة النحل الآية (97). ويقول حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم : ” النساء شقائق الرجال”، وقد أشار العديد من العلماء في تفسيرهم للحديث بأنهما شقيقان في الأحكام، إذ ما ينطلي من حكم على الرجل يشمل المرأة أيضا دون تمييز وانحياز، وهذا لا يعني أن الإسلام لم يفرق بين الرجل والمرأة البتة أو لم يميز بينها وبين الرجل، بالعكس، لقد زاد شرعنا الإسلامي الرجل درجة على المرأة وهو يوكل إليه مسؤولية الإنفاق ويوليه دور القوامة، في الوقت الذي لم يلزم المرأة بهذه المهمة اعتبارا لتركيبتها الجسمانية المختلفة عن الرجل والتي تتميز باللين والرقة والنعومة عوض القوة والشدة والخشونة .
إلى جانب ذلك لم يمنع الإسلام المرأة من العمل مادام وقتها يسمح بذلك، ومادام اشتغالها خارج البيت لن يؤثر بشكل سلبي على واجباتها الأسرية التي تعتبر الأسمى وذات الأولوية مقارنة مع أي عمل ثان تزاوله.
لقد حسم الشرع الإسلامي في موضوع المساواة بين الرجل والمرأة منذ زمان، وأيما مناداة بالتساوي اليوم إنما هي نتيجة عكسية لتحقيق مفهوم المساواة الأصلي الذي لم يستعمل استعمالا حسنا وصحيحا يليق بالتعايش السلمي الإنساني المبني على أواصر المحبة والتقدير والاحترام المتبادل.
إن مطالبة بعض النساء اليوم بالمساواة في الإرث مع الرجال فيه اعتداء على النصوص الشرعية القطعية التي لا يجوز الخوض فيها من الأساس، لأن الله عز وجل قال كلمته فيها وانتهى الأمر منذ الأزل، وكذلك الشأن بالنسبة للإنفاق، والذي جعله الله تعالى من مسؤوليات الرجل أبا كان أو أخا أو زوجا أو إبنا او ..أو ..، وبه نال القوامة على المرأة، وليس من العدل أبدا إجبار امرأة على النفقة من مالها تحت طائلة الإكراه، أو تحقيقا للمساواة والمساواة المضادة التي باتت تزعج أسماعنا في هذا العصر العجيب.
لعل وجود المرأة والرجل جنبا إلى جنب في هذه الحياة كان الغرض منه أن يسود بينهما الود والتراحم والمساكنة، وليس شن حروب ضروس بينهما، فيرى كل منهما في الآخر عدوا لذوذا ينتظر أول فرصة للانقضاض عليه وافتراسه دون رحمة. لم يخلقا ليدوس الطرف منهما الطرف الآخر بالأقدام بل ليحققا التكامل وينشدا التعايش ويسدا احتياجات بعضهما البعض في رضى ومحبة وثقة وانصهار.
لقد قضى الاستعمال السيء للمساواة في مجتمعاتنا على طعم الحياة النقي الهاديء، وبعثر كل المفاهيم وترك العقول حائرة بين اتباع شرع الله وبين الانسياق وراء عناوين براقة تدعي تحقيق العدل والانصاف بين الجنسين ظاهريا وتسعى لتأجيج نار الفتنة بينهما في الباطن. فلا الرجل بات يأتمن المرأة ولا المرأة باتت تثق بالرجل ، كلاهما حذر من الآخر وفي حالة تأهب منه كما لو أنهما في ساحة الوغى بدل أن ينعما بالسكينة والاستقرار والأمان جنبا إلى جنب.
لن نفهم الكون والطرق المؤدية به إلى طوق النجاة مثلما أخبرنا رب الكون، فهو جل وعلا أعلى وأعلم بأسراره، وحينما أمرنا بأشياء ونهانا عن أشياء ورتب لنا كل الأشياء لنمشي على خطاها وننجو من جحيم الدنيا والآخرة لم يكن ذلك عبثا، بل تيسيرا لحياة أفضل وتسهيلا لعبور أنفع بدار الفناء. فعن أي مساواة نبحث بعد الذي سطره الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز وسنة نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ؟
الطريق واضح، ولكل أن يختار المسلك الذي يشاء، في المساواة التي حققها الشرع سعادتنا وفي الانجراف خلف تيار التقليد الأعمى للغرب هلاكنا، فلا حال أسوأ من حال غراب أراد أن يتعلم مشية الحمامة فأضاع مشيته الحقيقية وصار تائها ضائعا لا هو أفلح في تقليد الحمامة ولا هو احتفظ بهويته الحقيقية التي تضمن له حيزا من الراحة والحضور المتميز.