نسمع هذه العبارة في مناسبات عدة وأحيانا من غير مناسبة، ينزل مستوى المرء إلى الحضيض وعندما يتوجه إليه العوام باللوم والعتاب على سوء ما فعل يكون الجواب : ” الوقت بغات ” . صار الناس ينحرفون عن الطريق المستقيم ويتخذون لهم وجهات يعرفون حق المعرفة أنها خاطئة، يمشونها بتمام الرضى والقناعة ولسان حالهم يردد : ” الوقت بغات” .
” الوقت بغات” أن تتعرى المرأة وتكشف تضاريس جسدها للعالم عبر وسائل التواصل الإجتماعي مصحوبة بحركات ماجنة تثير الغرائز . ” الوقت بغات” أن يتدنى مستوى الرجولة وتتراجع هيبة الرجل داخل الأسرة والمجتمع، وينزوي بنفسه في ركن ينصت فيه لشهواته ولما يخدم مصالحه الشخصية ويرضي هواه ومزاجه ثم يختفي عن الأنظار. ” الوقت بغات ” أن تخرج البنت من بيت أهلها سرا وعلنا وتركض خلف كل غريب تغريه بأنوثتها السافرة وتطارده ناسجة كل الفخاخ للظفر به شريكا للحياة. ” الوقت بغات ” أن يبيع الولد ضميره وشرفه مقابل دريهمات قد تلبي احتياجاته اليومية وقد لا تبلغ هذا المدى مع الاستهتار بشرعية المكسب وهل هو من مصدر حلال أو حرام .
” الوقت بغات ” أن يباع الغالي الثمين بالرخيص البخس، و ” الوقت بغات ” أن يمجد الخسيس ويهان العفيف، وكثيرا ما اشتهت الحياة الراهنة التفسخ والانحلال، واستسلم الناس في عبودية وخنوع دون أن يسألوا أنفسهم لماذا صاروا بكل هذا الضعف؟ أين عقولهم التي ميز الله تعالى بها البشر عن سائر الكائنات وأمر باستخدامها؟ أين الخوف منه سبحانه جل جلاله ومن حسابه وعقابه ووعيده؟ أو ليس الوقت الذي يبررون له بأنه اقتضى ان يزج بهم في هذا المصير المجهول المكبل بالمخاوف هو سم مغلف بعسل شكله يغري ولبه يدمي؟ مدة ” الوقت بغات ” منتهية لا محالة، فهل فكر مناصرو العبارة في التداعيات والآثار المستقبلية؟
نفترض أن الحياة المعاصرة ( ولعله الشائع و الرائج) أرادت الفساد والانحراف عن النهج السليم والسبيل القويم، أو بأدق تعبير ” بغت الفساد” هل نسايرها ونفسد جميعا لإرضائها ونصيح بعدها درءا لخطئنا أن ” الوقت بغات” ؟ !
هل نقلع عنا ثوب الحياء والحشمة ونستجيب لها برحابة صدر؟ هل نقبل أن تصير ذواتنا بلا قيمة واعتبار تحت طائلة ” الوقت بغات” وقد تحولنا إلى أضحوكة ومسخرة بين العالمين؟ أين رجاحة العقل وإحكام القبضة على العصا من الوسط دون حدوث ضرر أو ضرار ؟
هي ” الوقت بغات ” وشاءت الإرادة الشعبية الموافقة على ما بغته وما بغت به، فطال حياتنا ما طالها من انهيار للقيم، وتأزم للأوضاع، وهبوط في الأخلاق. رحل الاستقرار، وغادر الأمان، ورفعت الثقة كفها في وجوهنا مودعة، وأسدل الستار عن كل ذي مكانة وازنة ومستوى رفيع، فبكينا وتباكينا وياليت البكاء والتباكي كان حلا للمعضلة.
الحقيقة أنه حان الوقت للعودة بالحياة لطبيعتها الأصلية واستنهاض الهمم من أجل فرض إرادتنا الصحيحة المبنية على ما يتماشى وقواعد العيش الكريم البعيد كل البعد عما يخدش سلامة وأمن النفوس وسلبها حقها في التعبير عن رغبتها التي لا تتعارض و صيانة الكرامة الإنسانية، فليس الوقت وما يبغي من له السلطة علينا، ولا الوقت وما يبغي له الكلمة بل نحن من نملك الكلمة لأننا بالنهاية من نتحمل النتائج وندفع الثمن باهظا.
أظن أنه لم يعد هناك مجال للناس في التبرير ب ” الوقت بغات ” بعد كل هذه المعاناة التي أفرشت ظلالها في الحياة العامة، وبعد كل هذا العذاب الذي تقاسيه البشرية وقد فوضت للوقت أن يستعمل رغبته على حساب رغبتها والتعبير عن إرادته على حساب التعبير عن إرادتها، مما جعل صوت العبث يعلو وصوت الحكمة والتبصر يخفت ويخرس، فكانت الشكوى وكان الألم.