ماعاد فستان الحياة مفصلا على مقاسي، ولا عادت الأماكن تشبهني ولا عدت أشبهها. تأخذني المسافات إلى بعيد فألبي النداء، بين موجة غضبى وأخرى هادئة أترنح كالثملة، أمسك نفسي كي لا ترمي بي الرياح إلى القاع، بعيون بريئة أتصفح الوجوه المقنعة، أبحث عن بسمة صادقة، عن نور غير كاذب يكسو الملامح، عن قلب ترن أجراسه محبة، عن نفس صمت آذانها لقهقهات ماجنة، عن روح حلقت في سماء الفضيلة تبغي معانقة أجساد عفيفة طاهرة، ومصافحة أيد نظيفة، فلا أجد لبحثي حياة مع الأسف.
في جزيرة الجد وضعت حجري الأساس، بكت عيوني حتى جف الدمع، قاومت صداع رأسي بتوسد مخدة رحبت بعيائي، كلمتني الوسادة وقالت:
ألم أقل لك أن لا أمان في الطريق، وأنك تنهكين نفسك دون رحمة ؟
نظرت إليها في انهيار وتودد عساها تشفق لحالي، بسطت ظلالها واحتضنتني تقول:
ليتك أنصت لكلامي من البداية، ارتاحي الآن واهنئي بفتح صفحات جديدة تطلين بها على الحياة، انس ما مضى، فمثلك لا يليق بهم سوى الراحة والأمان.
بين أذرع الوسادة ألقيت بنفسي، رفعت كفي ألوح بالوداع لكل هم أوجعني، لكل سهم غادر نال مني ومزقني، لكل ابتسامة صفراء خدعتني، لكل نفس أنانية استغلتني، لكل ممثل بارع أسدل الستار عن مسرحياته وسقط القناع عن وجهه المشوه الآثم.
وداعا يا طريقا مشيته أميالا بحب وطيبة وإخلاص، ماكنت أحلم بذي النهاية، ولكن لنفسي حق علي وأول حقوقها صيانة كرامتها والتمسك بكبريائها، فلا نفس أسعدتها أسعدتني، ولا روح أعطيتها بسخاء جادت علي ببعض من عندها، لم يبق لي إلا الوداع والانسحاب وها أنذي أعلن خروجي من كل دائرة خنقت أنفاسي وما اشتكيت، أسالت دمعي وما حكيت، في سبيل نهاية بهيجة تجاوزت وتحملت، غير أن الطريق المسدود كانت له الكلمة الأخيرة، فشكرا ووداعا وليهنأ غيري بمكاني.