من منا لم يجرح شعور والديه يوما عن قصد او عن غير قصد ؟ من منا لم يكتف بكلمة أف لهما رغم أن القرآن قد نهانا عن قولها ؟؟ الوالدان ، وما أحلى كلمة الوالدين !! كثيرون هم الذين لا يتذوقون معنى هذه الكلمة ، كثيرون هم الذين يتجاهلون عظم أجرها ومكانتها ، فلولا هؤلاء الوالدين ما كنا جئنا لهذه الحياة ، لولاهما ما عرفنا هذا الكون وهذا العالم العجيب ، قال تعالى : ّ( ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إليَّ المصير وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ) لقمان 14-15.
أصبحت مجتمعاتنا العربية المسلمة تنسلخ يوما عن يوم عن القيم الدينية ، باتت تستهين بها أحيانا ، ولا تعيرها اهتماما أحيانا أخرى . قيمة الوالدين أصبحت تفقد منزلتها باسم الحضارة و التقدم ومسايرة ركب النمو ، الأبناء صاروا ينجذبون نحو كل ما هو غربي و دخيل ، نسوا أن الحضارة كلها في الاسلام والخير كله به ، منهم من يضعهم في دور العجزة بعدما كبروا وأصبحوا غير قاديرين على شيء ، منهم من يتجاهل وجودهم ويعتبر الأمر سيان حضورهم كغيابهم ، منهم من لا يسأل عن أحوالهم الا مرة أو مرتين في السنة وربما لا يسأل أبدا متحججا بضيق الوقت وبانشغالات الحياة وهمومها ، فكيف نطلب السعادة ونحن لا نسعد من أنجبونا ؟؟
تعب الأم وعناؤها طوال فترة الحمل و الوضع والرضاعة ليس بالأمر الهين ، سهرها ، رعايتها الكبيرة ، كله ليس سهلا ، كذلك الأب ، تحمله لمختلف أنواع المواقف و الظروف من أجل توفير لقمة العيش ومن أجل بناء أسرة سعيدة متكاملة مستورة الحال لا يتحقق ببساطة ، ومن يقدر كل هذا ؟؟
قليلون هم الأبناء الذين مازالوا أوفياء لهويتهم الاسلامية ، يقبلون رؤوس وأيادي آبائهم . حتى الوالدين ويا حسرتاه ، أصبح التواضع لهما والانكسار أمامهما مقرون بالموضة و بمظاهر التخلف ، قال تعالى : ّ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إيــــــاه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الـــــكــــبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهـــــــــــما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريماوَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمارَبَّيَانِي صَغِيرًا “.
أين الاحسان الى الوالدين في زماننا ؟؟ أين الرحمة وأين البر ? لكل الأبناء ، تذكروا أنكم مهما طال بكم الوقت ستصبحوا أنتم أيضا آباءا ، حتما ستحبون أن يحسن اليكم أولادكم ، قطعا سوف لن ترضون بتكبر أبنائكم عليكم ، ضعوا مكانكم في مكان آبائكم اليوم قبل غد ،أنصتوا لكلامه صلى الله عليه وسلم : ّبِرُّوا آباءكم تَبرُّكم أبناؤكم، وعِفُّوا تَعِفُّ نساؤكمّ “.
سارعوا الى كسب رضاهم قبل أن يرحلوا و يودعوكم ، قبل أن تتحول حياتكم الى جحيم بدونهم ، انهم شمعة الحياة برحيلهم يرحل كل شيء جميل ، فتداركوا الوقت ولا تفعلوا كالذي لم يعرف بقدرهم الا حينما افتقدهم .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلي رسول الله فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟. قال: أمك. قال: ثم من؟. قال أمك. قال: ثم من؟. قال: أمك. قال: ثم من؟. قال: أبوك. رواه الشيخان. قال رسول الله -صلى الله عليه و سلم-: “رضا الله في رضا الوالد وسخط الله في سخط الوالد ” . رواه الترمذي . و قال -صلى الله عليه و سلم- أيضا :” ألا أنبئكم بأكبر الكبائر” ، قلنا : “بلى يا رسول الله “، قال رسول الله :” إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ، ووأد البنات ّ . رواه البخاري .
ليحذر كل منا عقوق الوالدين ، لنتجنب كلنا غضب الله ورسوله ، ولنتذكر جميعا أن جزاء العاقين يظهر في الدنيا قبل الآخرة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (كل الذنوب يؤخِّر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين، فإن الله يعجله لصاحبه في الحياة قبل الممات ). رواه البخاري .