تمهيد
سأخالف الترتيب الجغرافي لرحلتي نحو الشرق المغربي، وعوض أن أحافظ على كرونولوجيته سأؤثر عاصمة الإقليم، وأفتتح بها حديثي عن الرحلة التي مررت قبل الوصول إليها بمدن وقرى كثيرة،منها بركان، والسعيدية وغيرهما، وسأعود لاحقا للحديث عن بعضها.
زرت مدينة وجدة ونواحيها مرارا، كانت أول مرة في سنة 1972، مع صديقي الدكتور محمد بن الصغير، والذي استضافني وزرت معه جل معالم المغرب الشرقي، ووجدت الناس متفائلين بتحسن العلاقات بين المغرب والجزائر، وقد عقدا اتفاقية التعاون بينهما واتفقا على استثمار غاز منطقة جبيلات لصالحهما، وأصبح شباب الدولتين الشقيقتين يسميان معبر (زوج بغال) ب(زوج فاقوا)، بمعنى أنهما فطنا إلى مكائد المستعمر، ولم تعد تنطلي عليهما حيله؛ ولات حين مناص !
كنا في طفولتنا في الشمال نسمع اسم وجدة، ولا نعرف عنها سوى (حولي وجدة)، الذي كان من أجود الخرفان في كل عيد أضحى، ونتصور وجدة وكأنها مزرعة كبيرة ! وفي الفترة نفسها سمعنا قصة أسطورية تقول: كان في المغرب عالم يجري التجارب لكي يستخلص القوانين التي تتحكم في الطبيعة، فتوصل إلى أن النملة ،في غذائها تستهلك حبة واحدة من القمح في سنة كاملة، فغار منه بعض العلماء واوغروا صدر الحاكم عليه، واتهموه بأنه اشتط في تغذية النملة، وحرمها من الماء، فحكم عليه القاضي بأن يسجن سنة كاملة، في مزرعة مسورة، ولا يتغذى إلا بصنف واحد من الطعام، فاختار صاحبنا أكلة اللبن الرائب.
وبينما هو يقضي عقوبته الحبسية ،إذ تناهى إلى سمعه أن مجرما اغتال المولى إدريس، وفر هاربا، فلم يتمالك نفسه، وامتطى فرسا وقفز به فوق أسوار المعتقل، وظل النهار كله يطارد ذلك المجرم ، وفعلا لحق به وقتله انتقاما للمولى إدريس. تقول الرواية إنه ظفر بطليبه في المكان الذي ستبنى فيه وجدة لاحقا، ولهذا السبب سميت باسم وجدة،كاسم المرة من فعل وجد بمعنى عثر .
وخلال سنوات التمدرس علمنا أن المولى إدريس قد اغتاله سليمان بن جرير الشماخ، وأن مساعد المولى إدريس ،واسمه راشد الأوربي هو الذي طارد الشماخ،وشج رأس ذلك المجرم وبتر يده. وكان ذلك عند نهر ملوية، القريب من مكان بناء وجدة، كما سيأتي في الحلقة الثانية ،إن شاء الله.