كنت أظن أنني حينما أعانق مدينة من مدن الصحراء، أول ما ستقع عليه عيني، رمال وجمال، خيام وناس يجتمعون داخلها، مع ما يحتاجونه من مؤونة ومعدات وأدوات. ولعلها الصورة التي تعشش في أذهان الكثيرين ممن لم يسبق لهم زيارة المناطق الصحراوية ببلادنا، فوجئت أني لم أجد أثرا لأي خيمة، والكل يقطن في بيوت ومنازل عصرية تتوفر على كل مقومات العصرنة.
لاحظت أن أغلب أبواب المساكن حجمها صغير الى المتوسط، تتجه بمسافة إلى الداخل، وتحاط بجدران خارجية، بهدف صد الزوابع الرملية التي تشهدها عادة المنطقة الصحراوية مع التقلبات المناخية، ولاحظت أن نوافذ المنازل في الغالب الأعم صغيرة، ولون الطلاء على الحيطان موحد مختصر في اللون الأحمرالآجوري، وهو الشيء الوحيد الذي لم يكن غائبا عني.
سألت عن الرمال الذهبية، فقيل لي إنها موجودة بالضواحي، استفسرت عن غياب الجمال والنوق، فأخبرت أن لها مكانا خاصا تتواجد به، وأنها لا تترك منتشرة هنا وهناك حفاظا على النمط الحضاري للمدينة، خصوصا وأن هناك طموحا في أن تصبح مدينة منافسة لعدد من مدن العالم.
خرجت ألقي نظرة على الشوارع والطرقات، اكتشفت أن المدينة نهارا تبدو في شكل، وليلا تحت أضوائها الخافتة شكلا ثانيا، بالنهار لا تخلو ممن يخرجون للعمل أو للتسوق أو لقضاء شيء من هذا القبيل، وبالليل ترفل بالسكان وتعج بالصغار والكبار على حد سواء.
نافورة هنا، نافورة هناك، نافورة هنالك، كل نافورة تسحرك بجمالها وتهديك حسنها، حيث تتراقص أمامك في ألوان زاهية، ترشك بزخاتها وكأنها تبغي رفع الدهشة عن وجهك، وحدائق منظمة تحفها لاتتركك تغادر، إلا وقد التقطت صحبتها صورا توثق لعبورك غير المسبوق.
أتفحص الزي السائد، فأجد ” الملحفة” حاضرة بقوة إلى جانب الأزياء العصرية الأخرى بالنسبة للبنات والسيدات، وأجد ” الضراعة” و ” الضراعية ” بألوانها البيضاء والزرقاء المزخرفة، تكسو أجساد الذكور والرجال، مع غطاء ملتف حول الوجه والرأس متخذا لونا أبيض أو أسود، يحمي من قساوة الجو.
كل المواد و المنتوجات متوفرة، قد يخيل لك في البداية أن بعضها مفتقد، لكن بتعميق البحث تكتشف توفرها بأماكن معينة . المجانية، يستفيد منها البعض من حاملي الهوية الصحراوية، وآخرون من العاملين بالقطاع المخزني، بينما تنتفي عن العوام من المقيمين بمدن الصحراء، والرخاء الذي يروج له منعدم ولا أثر له هنا، حيث أن الأسعار إما تتساوى مع بقية مدن المملكة أو ترتفع عنها بقليل.
توفر المنتزهات والمرافق المتنوعة بشكل ملحوظ، يزيد الصحراء بهاء ورونقا، وينسي الزائر طعم ما قد يخالف ذوقه الخاص بشكل من الأشكال، باعتباره لم يعتد بعد على خصوصيات المنطقة.