تقديم:
سلا .. مدينة مغربية عريقة، سميت قديما باسم ” شالة”، تقع على الضفة الشمالية لنهر أبي رقراق، على اليمين من مصبه في المحيط الأطلسي، وتتموقع جغرافيا بالقرب من عاصمة المملكة المغربية الرباط. لقبت مدينة سلا بمدينة السبعة أبواب، وبمدينة الشموع، وبمدينة القراصنة، وبمدينة الأولياء …إلخ، وهي تغزر بالمواقع التاريخية اخترنا اليوم أن نحط الرحال بإحداها، وبشكل أدق سنخصص الحديث عن أكبر باب تاريخي بها ألا وهو ” باب المريسة” .
باب المريسة
لا يمكن ذكر أبواب مدينة سلا دون استحضار أشهر أبوابها الذي يجسده ” باب المريسة”، هذا الباب الذي بناه السلطان المريني أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق، بعدما استولى على مدينة سلا وقام بسد الثغرة المفتوحة في السور الغربي والتي سمحت بالدخول إلى ساحة المدينة، فبنى بعد ذلك ورشة سفن حربية كان مدخلها هو الباب الأثري المفتوح في الواجهة الشرقية لمدينة سلا والمسمى ب ” باب المريسة” والمعروف أيضا بباب الملاح.
في سنة 1279م ، أعطى السلطان المريني أوامره بالإغارة على الجزيرة الخضراء، حيث تم تجهيز سفن مدينة سلا والمدن الشاطئية الأخرى، وجمعها في سبتة وطنجة وسلا، وفي سنة 1285م سجلت مدينة سلا وحدها مساهمة فعالة في الأسطول تمثلت في ست وثلاثين سفينة حربية تحت أوامر السلطان.
لقد كانت مشاركة أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق فعلية في أعمال البناء المتعلقة ب ” باب المريسة” بين سنوات 658و 668 هجرية الموافق ل 1270 – 1280 ميلادية، وقد تم تشييد هذه المعلمة التاريخية في القرن 13 بإشراف من المهندس الأندلسي محمد بن الحاج الإشبيلي.
ويشكل ” باب المريسة” أعلى أبواب المغرب التاريخية، إذ يبلغ ارتفاعه ثلاثين مترا، ويتميز بهندسة معمارية جذابة، إضافة إلى أنه مد جسور التواصل بين المدينة العتيقة والخارج، فهو باب خصص سابقا لخروج السفن المشيدة داخل دار الصناعة إلى المحيط الأطلسي عبر قناة نهر أبي رقراق.
فبفضل موقعه الإستراتيجي المتميز، اعتبر ” باب المريسة” مركزا للتبادل التجاري بين المغرب وأوربا، أطلق عليه سابقا باب ” الميناء الصغير” جراء القوارب التي كانت تنفذ لواد أبي رقراق عبورا بقوس الباب الضخم.
يقدم ” باب المريسة” واجهة حجرية تزينها زخرفة جميلة منحوتة بنقائش كتابية وتشبيكات زهرية، فيتخذ القوس الكبير بالباب شكل حدوة حصان منكسر، تصل فتحته إلى حوالي 9 أمتار وترتفع قمته رغم تعلية الأرض وتراكم الرمل بالحوض والقناة وتغطيتهما إلى 9,60 أمتار، تحضر بداخل بنايته فتحات وسلالم وممرات خاصة بحرس المدينة ومينائها.
يظل “باب المريسة” شاهدا على عبق التاريخ باعتباره من أهم الأبواب الرئيسية التي يشملها سور مدينة سلا القديمة إلى الوقت الراهن، وبذلك حق لهذه المدينة مثل باقي المدن العتيقة أن تفخر بما تختزنه من مآثر تاريخية حتى إذا ما طال أجزاء منها الانهيار أو السقوط بفعل عوامل خارجية سارعت الجهات المعنية بالترميم والإصلاح حفاظا على هذا الموروث التاريخي الثمين.