يبالغ الناس في التسوق في شهر رمضان الفضيل كما لو أن السلع والبضائع تندثر خلال الشهر الكريم، أو كأن الأطعمة تفتقد وتغيب مما يجبرهم على الاقتناء المكثف لشتى أنواع الأغذية بصورة شرهة تنم عن ” اللهطة” بما تحمله الكلمة من معنى، إذ يحيل السؤال: هل نصوم لنضاعف كمية الأكل المطلوبة سائر الأيام ؟
المعلوم أن الصيام شرع ليكف الناس عن المحرمات ويتقربوا إلى الله بالعبادات ويحسنوا من معاملاتهم اتجاه بعضهم البعض، فيغيروا ما استطاعوا في سلوكات بعيدة عن جوهر الإسلام وحقيقته، ويتحلوا بفضائل تمكنهم فعلا من نيل الثواب والأجر الذي وعد به الخالق سبحانه عباده، وليس الإفراط والمغالاة في نشر صور تسيء للفعل البشري وتنجم عنها مشاكل متسلسلة لا حد لها.
إن الزائر للأسواق والمتاجر بمختلف تلاوينها الشعبية منها والراقية، الصغيرة والكبيرة، يلحظ أن نسبة ” اللهطة ” مرتفعة جدا وأن شريحة كبيرة من الناس تقتني لتدخر وتخبئ كما لو أنها تضمن العيش لمدة طويلة، وبدل طلب ما يسد الاحتياج العادي الطبيعي يتم إفراغ المحلات من المنتجات وتكديسها في البيوت، مما يجرد فئات أخرى من حق اقتناء ذات المنتجات عند الحاجة إليها لأنها استهلكت بشكل كثيف وغير متوقع.
تعري ” اللهطة” سوءات البشر، فتتجلى الأنانية في أبشع صورها، ينتشر السخط والتذمر، وتنقلب حياة الناس من مستقرة هادئة إلى أخرى يطبعها الصراع والمشاحنة والشجار والتهافت غير المقبول نحو الاستيلاء على الأشياء والاستفادة منها بشكل منفرد دون فسح المجال لاستفادة الغير أيضا.
قد يدافع البعض عن مثل هذا السلوك من باب أنهم يقتنون المواد الإستهلاكية بمالهم الخاص ولا يحصلون عليها بالمجان، فنرد على هذا القول بأن الآخرين أيضا لهم مال يدفعونه ولا ينتظرون إحسانا من أحد، وقد لا يرى البعض الآخر في الفعل ما يثير حفيظتهم لأنهم ربما لا يملكون من الأصل نقودا تمكنهم من ولوج الأسواق بين الفينة والأخرى، فيقنعون بالموجود ويغضون الطرف عن المفقود، وأيا كان الأمر فإن ” اللهطة” تبقى سلوكا مرفوضا لسلبياته الكثيرة، وتصرفا لا مقبولا يفتح الباب للفوضى والعبث، ويعلم الاحتكار، وينمي جنون العظمة، ويسلب حق الغير في الانتفاع …
لعل الشهر في الوقت الحالي رمضان، ورمضان مدرسة لمن لا مدرس له، يرفل بالحكم والعبر، وبالمواعظ المستوحاة من جوهر الإسلام العادل، والفرصة أعظم في أن يستغلها المرء ليحقق الفلاح في الدنيا والآخرة، وليكن الصوم عن” اللهطة” وتجنبها والتحلي بالقناعة والتفكير في الحق المشترك سبيلا للرقي بالنفس وتجويد خصالها، وإلا ما الفائدة من رمضان إن لم نسع لتهذيب سلوكاتنا ؟!