تحتفي مدونة أسماء التمالح في هذا الشهر فبراير 2023 بالذكرى 14 لانطلاقها على الشبكة العنكبوتية، وقد عرفت نسخا متجددة بطول مدة السنين جراء مجموعة من المثبطات سواء ما تعلق منها بالجانب التقني الصرف أو بجوانب أخرى متشعبة، ورغم كل الصعوبات، كانت مدونة أسماء التمالح تحاول الصمود كل مرة، وتواصل عملها بجد ومسؤولية كما عهد ذلك فيها متتبعوها الأوفياء.
محطات مدونة أسماء التمالح مختلفة ومتنوعة ومنفتحة على مجالات متعددة، وقد اخترت اليوم الحديث عن موضوع ” الفن التاسع ( فن الأشرطة المرسومة Bandes dessinées) ) وارتأيت أن أتوقف عند عنوان ” الفن التاسع بين غرابة الاستحداث وعجائبية الطرح.
فمثلما هو معلوم، كانت مدونة أسماء التمالح من السباقين لتناول موضوع ” الفن التاسع” على صفحاتها، بهدف تقريبه من جمهور القراء وتسليط الضوء عليه، غير أن عنصر الاستغراب – من الإسم – والدهشة كان غالبا وقتئذ على عدد من الردود، امتد في بعض الأحيان للسخرية واعتباره أي كلام، وهذا طبيعي جدا إذا استحضرنا غياب المعلومة عن العامة من الناس وجهلهم بها حينئذ، والجهل عدو كما يقال.
أذكر أنني قبل عشر سنوات من الآن، حين كتبت عن ” الفن التاسع” توصلت برسائل وتعليقات ساخرة تقول : ” أين الفن الثامن يا أسماء حتى يكون هناك تاسع ؟ “، قال لي البعض الآخر : ” لأول مرة نسمع بالفن التاسع يا أسماء وعلى لسانك، حدود معرفتنا بالفنون تقف عند الفن السابع، هذا ما نعلمه، هل أنت متأكدة من معلوماتك ؟”
واجهت كل الأقاويل وردود الأفعال المتضاربة والمتعددة بضحكات لأنني كنت واثقة جدا مما أحمله للقراء، فإقبالي على الموضوع لم يكن من فراغ ولا بغرض شد الأنظار – وهذه ليست هوايتي ولا مهمتي أو حتى دوري – إنما كان نابعا من توغلي في عالم ” الفن التاسع” مستغلة في ذلك قربي من فنان الأشرطة المرسومة ” زكرياء التمالح” الذي كان يفتح شهيتي للغوص في بحر هذا الفن في كل جلسة أخوية ندردش فيها سويا، ونتبادل فيها أطراف الحديث حول مواضيع الكتابة بشكل خاص والثقافة بشكل عام.
رحب بي الفنان زكرياء كمستطلعة ومستكشفة لمجال تخصصه، ورافقني في رحلة البحث والغوص، ومكنني من مجموعة من المصادر، وعرفني على عدد من الوجوه الفنية التي كانت لها بصمة قوية في هذا الميدان الفني الرائع، الذي يحظى بالاهتمام والتقدير الكبير وطنيا ودوليا.
تعرفت على الراحل عبد العزيز مريد وغيره، وسحرني الفن التاسع بخباياه وأسراره التي لم يبخل بها علي الفنان زكرياء، فأبيت إلا أن أتقاسم وأوفياء مدونة أسماء التمالح هذا اللون الفني المثير والمميز، بتسليط الضوء عليه ورفع الجهل به عن طريق تعميم بعض المعطيات والمعلومات عنه بين كافة الناس.
كنت سعيدة حين أخبرني شقيقي مرة أن بعض الفنانين من أصدقائه حملوا إسمي إليه يسألونه ما إذا كان هناك سايق معرفة له بي، أو هناك وجه قرابة بيننا، أو أن المسألة لاتعدو أن تكون تشابه ألقاب، اندهش أخي لسؤالهم وكيف وصلوا لاسمي، فكان جوابهم أنهم بالصدفة كانوا يبحثون في الشبكة العنكبوتية عما إذا كان هناك من تكلم عن ” الفن التاسع” باللغة العربية عبر نصوص ومقالات، فعثروا على ما وُقّع باسمي واسم المدونة، مما أثلج صدورهم ودفعهم للتوجه إليه بالسؤال كسبا للمعرفة.
موازاة مع ذلك، وإسهاما في دعم الفن وتوسيع دائرته والانفتاح عليه على صفحات المدونة، كان لي وشقيقي تعاون في سنة 2018، حيث اغتنمنا فرصة حلول شهر رمضان الكريم، واشتغلنا سويا على سلسلة سميناها ” الناس في رمضان” ، وهي سلسلة مزجت بين كتابة المقالة موقعة من طرفي، وبين رسم فني ذي صبغة كاريكاتورية ساخرة من الواقع، تصب في وحدة الموضوع وتختزل مضمونه في صورة معبرة وقعها فنان الأشرطة المرسومة ” زكرياء التمالح” بريشته الإبداعية، وقد كانت تجربة جميلة جدا وشيقة، تابعها قراء المدونة بشغف وحب واستمتاع، وكنت كل حين أُسأل عن الجديد فيها قبل أن ينشر.
أعترف أنني كنت مستمتعة جدا بالكتابة عن ” الفن التاسع”، فعالم المعرفة شاسع لا حدود له، وبحر العلم لا تحده شطآن ولا يابسة، متى نهلنا منه وجدنا أنفسنا عطاشى أكثر نبغي أن نشرب حتى نروي الجزء الأكبر من الظمأ.
كانت هذه واحدة من المحطات الكثيرة التي أعتز بها على امتداد السنوات التي قضيتها في الاشتغال على صفحات هذه المدونة الناجحة بدعم قرائها وتشجيع متصفحيها الكرام، وإني لممتنة لشقيقي زكرياء لأخذي معه وقراء مدونتي في سفر جميل طابعه الفن الراقي في تموقعه المتفرد بين الفنون.
شكرا وتحية لفنان الأشرطة المرسومة زكرياء التمالح، ولكل رموز هذا الفن سواء الذين قضوا نحبهم، أو الذين يحملون المشعل عنهم ويواصلون الطريق بحزم ومسؤولية.
من ” مدونة أسماء التمالح ” في ذكراها ال 14 خالص المودة والتقدير.