جرب صديقي أن تجلس قبالة الصور البرتغالي لمدينة أصيلة.
_ لاداعي صديقي لأن أجرب. فأنا الآن أجلس قبالته وفي حلقي بعض المرارة من كل تلك السنين التي كنت أعطي بظهري لأجمل منظر يُرتشف مع كأس شاي ذي الحاءات الأربع ” حلو، حار، حامي، ومشحر” ولن يضايقني عبد الصمد الذي يبدل اختياراته للمشروب كل مرة.
أستطيع أن أرى الآن برج باب الحومر جيدا، كما أستطيع أن أتبع مسار الصور وإن حجبته اشجار الأوكلبتوس شمالا، وبإمكاني أن أرى القاعدين قربه وهم يولونه ظهورهم…
استطيع أن أراه كماضي الزمن حيث كان يقام هنا السوق الأسبوعي كل خميس، على هذه الأرض نفسها، وباستطاعتي أن أرى براكة السفانجي وريقي يتذكر لذة إسفنجه، وحديث الإسفنجي مع جاره الإسكافي والذي يطلب من الأول أن يفقص بيضة في اسفنجته كالعادة، كما باستطاعتي أن أُرجع شريط ذكرياتي مع أخي محمد وهو يفرش طاولته قرب الزيداني قبالة سيدي الأصيلي وأنا أعاونه في بيع الزريعة والتركية وبعض الحلويات….
أستطيع ان أرى رؤية العين البدويات يركبن حميرهن وبغالهن وقد جلبن ما لذ وطاب من خضر وفواكه ودواجن وإجاص بحجم الإبهم وتفاح أقل من ربع تفاح هذا الزمان ومع ذلك كنا نتلذذ بأكله ونتسابق بتلك البساسسط التي نوفرها لشراء عروم منه أو من بوخنو عند أوان قطف بوخنو من جبل بوهاشم.
أستطيع أن أتذكر أنه كانت للحمير والبغال فندقها المصنف بل هما فندقان يتنافسان في توفير كل وسائل الراحة لزبنائهما أحدهما شمال السوق والآخر وهو فندق اقديحة جنوب السوق.
أعود لطاولتي ولكأس الشاي أرطب به ذكرياتي، لكن هذا العبد الصمد يستزيدني في تفريغ ذكرياتي وهي ذكريات الطفولة الأولى، لم يرسب في الذاكرة منها إلا القليل، ولأنه يعصرني أذكر له ان الصف الذي كنا نجلس فيه كانت محلات بيع الموبيليا والأثاث المنزلي بالإضافة للثلاجات وأجهزة الراديو والتلفزات وأذكر محل بوجمعة والبومبيرو ومحل العيساوي وحمو الادريسي وسي طاهر، كما أذكر حوانيت البقالة وواسطة عقدهم مطحنة البودالي.
هي ذكريات رسبت من الماضي البعيد، أما الحاضر فكأس شاي في مقهى مالكا مع العزيز عبد الصمد وحديث طري في كل شيء وفي لا شيء، فصحبته متعة.