وصف المخرج المغربي حسن بنجلون مدينة القصر الكبير في ذات لقاء صحفي ب ” المدينة التي لا حظ لها ” ، والحال كذلك بالفعل، فمدينة القصر الكبير بما تكتنزه من حمولة ثقافية وحضارية ومنزلة وشأن عال وعظيم في تاريخ المملكة المغربية طالها النسيان، وزُجّ بها في خانة التهميش والإقصاء، حتى فقدت الكثير من رونقها وجماليتها التي تؤهلها لتكون في مصاف المدن المغربية المتألقة التي تشد الأنظار بسحرها وروعتها فيتغنى بها الصغير والكبير.
العارفون بهذه المدينة الأثرية العريقة ينظرون إليها بتقدير كبير، ويعبرون عن أسفهم لما عرفه واقعها الآني بعد ماض مشرق متلأليء يدعو إلى الفخر والاعتزاز، يقفون وقفة إجلال لذكر اسمها ويساهمون في إحياء كل جميل بها من باب العدل والإنصاف والاعتراف.
فالحضارة بالمغرب العزيز انبثق شعاعها الأول من أرض القصر الكبير، وهذه حقيقة يقر بها رجال العلم والثقافة والفكر والتاريخ، أما الأميون والجهلة الغارقون في ظلمات التخلف والظلام المعرفي، والذين لا يفتحون كتابا لتنوير عقولهم وتزويد أذهانهم بالغذاء الفكري، فإن مدبنة القصر الكبير لاتعدو بالنسبة لهم أن تكون مثار سخرية ومبعث كل قبيح موجود في هذا الكون ، وهل ينطق الجاهل بما بفيد ؟ وهل ننتظر منه أن يتكلم كي ننصت لهرطقاته المثيرة للشفقة ؟؟
مدينة القصر الكبير بعيون الجاهلين هي لاشيء، والعدم لا ينتج سوى العدم، هي محط شتم وسباب وتحقير واستخفاف، هي بؤرة سوداء في عقول أشد سوادا، وهي انعكاس فاضح لا محالة لنفوس خبيثة تجري بها دماء ملوثة تصيب الآخرين بالعدوى ولا يهدأ لها بال إلى أن تلوث المحيط كله وتتركه عليلا مريضا يبحث عن دواء عله يجد.
نعم ..إن مدينة القصر الكبير تشكل غصة في حلق الحاقدين، وذلك باد في أصابع الاتهام الموجهة إليها كل حين ودون مناسبة ودون موجب حق، إن مدينة القصر الكبير تتعرض للتنكيل في مختلف الحوادث العابرة التي لا تسلم منها كل مدن العالم، يُشار إليها وكأنها مصنع كل حقير ودنيء ، لا لسبب وجيه سوى كم البغض المكنون لها بالمجان، والناجم بالدرجة الأولى عن الجهل وما يتفرع عنه من تداعيات سيئة.
أمام كل الجحود الذي تعاني منه مدينة القصر الكبير لم يعد بوسعها إلا أن تندب حظها التعس وسط العتمة، إلا أنها تعد الجميع أن شموخها لن يفن، وتاريخها لن يُمح، وألقها لن يَـبْـلَ، وحبها للفاضلين قائم، ولا عزاء للماكرين الكارهين والحاسدين الفاسدين والفاشلين لديها.
هي القصر الكبير كانت وستبقى، تؤرق مضاجع الظالمين، يُنسى فضلها ولا تنسى من عشقها وأوفى لها، وهي بذلك ستظل ولادة تعطي كل نافع في الحياة في غنى عن أي تطبيل وتزمير، وفي تجاهل لكل استفزاز وعدم توقير.