شاعر صحراوي عصامي، من عائلة محافظة، ازداد بواحة صغيرة من واحات الصحراء تدعى ” تغمرت”، رضع من حلاوة الشعر، وتنفسه مع عطر الطبيعة وسحر الصحراء. المرأة بالنسبة له سر مكنون، شعر نزار قباني ومحمود درويش وغيرهما من الشعراء محبب إليه، إنسان يناصر قضايا الإنسانية، وعاشق للمدن الساحلية المغربية.
أعطر التحيات وأطيب الأمنيات، أرسلها إليك أستاذ شريف خوجاني من شمال الوطن، إلى الصحراء الغالية حيث تقيم. مرحبا بك على صفحات مدونتي في هذا اللقاء الحواري الخاص، وسؤالي الأول تقليدي كالعادة، من هو شريف خوجاني؟
– بداية لا بد لي أن أنوه بمدونتك الرائعة والمتنوعة “أسماء التمالح” ، ولي الشرف الكبير بأن تتم استضافتي على صفحات مدونة أعتبرها من المدونات القيمة، والناجحة على الصعيد الوطني عامة، وشمال المغرب خاصة.
والشكر كل الشكر لك أسماء على هذه الحفاوة الجميلة، وهذا التواصل الأنيق بين الشمال والجنوب، فتحيتي لكم يا أهل القصر الكبير بعبق المسك الصحراوي الأنيق، وكؤوس شاي معتق، يطيب هذه الجلسة الحوارية الشعرية الراقية.
من هو شريف خوجاني..؟
سؤال يخجل معلوماتي وسيرتي البسيطة، وإن كنت لا أجيد التحدث عن نفسي، فأنا لست شاعرا مدججا بالدواوين والنياشين، ويملأ الساحة بعنترياته وصولاته و جولاته، ورغم أني لا أجيد تقديم نفسي، فإني أقول :
– شريف خوجاني عصامي سدت أمامه جميع الأبواب فتسلق النوافذ ليجد نفسه أخيرا في كنف الشعر.. ولدت في آخر عام من ستينيات القرن الماضي، في واحة صغيرة، بمنطقة وادنون، إسمها “تغمرت”، هي من أجمل واحات الصحراء ..هناك تعلمت وترشدت في عائلة محافظة.
تعلمت الأحرف الأولى للحب والطبيعة، وتشربت بسحر الصحراء، فانتقلت في بداية ثمانينيات القرن الماضي للعيون، عاصمة الصحراء، التي أكملت بها تعليمي الثانوي.
لم تسعفني الظروف في متابعة الدراسة حينها، فتوجهت للعمل الحر، لأشق طريقي بالفأس بين الصخور. أب لبنتين نهيلة وأروى ..هما ريحانتاي في هذا الكون.
أناصر كل من أحسست واقتنعت بأنه مظلوم في هذا العالم، فأنا مع الإنسان وقضايا الإنسان، أينما وجدت هناك قضية إنسانية. هذا هو شريف خوجاني بكل بساطة.
– واحة ” تغمرت” من الواحات الصحراوية التي شهدت ميلادك. بماذا تتميز هذه الواحة؟ وهل كان لها إسهام معين في شاعريتك؟
– تغمرت هي نبض الشعر في ذاكرتي، هي طاقة من الجمال الشاعر، شربتها تحت نخيل الواحة، فصرت شاعرا ثملا يتغنى بجمال الصحراء. هي امتداد للماء والهواء في جسدي، هي خارطة من نخيل وأعناب، لايعفو عليها الزمن في وجداني..
هي جنة الشعر، وامتداد التاريخ، وسحر الصحراء، ومعشوقة الوجدان، فلتعذرني كل النساء ف “تغمرت ” هي عشقي الأبدي.
– معروف عنك أنك شاعر عصامي. ماهي العقبات التي تجاوزتها من أجل إثبات ذاتك وإسماع صوتك شعريا ؟
– كثيرة هي العقبات والإكراهات التي تعترض الشاعر في مسيرته الشعرية، لكن الشاعر حين يكون عاشقا لقصيدته، فلا ضير بعد ذلك فيما رآه، وكابده من أجل عيونها.
وأكبر ماعانيته في مسيرتي الشعرية، هو التوفيق بين إكراهات العمل ومتطلبات القصيدة.
وها أنا الآن، مازلت أحاول التوفيق بين الانحياز إلى جنون و جموح الشاعر وانطلاقه، و متطلبات رجل الأعمال ومسؤولياته.
– لماذا اخترت الشعر وليس لونا أدبيا آخر؟
– لأنني ببساطة أحببت الشعر، الذي وجدت كلماته تتساقط من نخيل الواحة رطبا جنيا.. ولأننا في بيئة الصحراء، لاخيار لنا إلا أن نكون شعراء، أو مستمعين جيدين للشعر.
في الصحراء، نرضع من حلاوة الشعر، ونحن لازلنا في المهد أطفالا وغلمانا، نسمعه مع أنين العواصف، و رياح الليل و موسيقى الطبيعة، ونشربه في ماء الواحات، ونتنفسه مع عطر الطبيعة و سحر الصحراء.
في الصحراء، إذا لم تكن شاعرا أو حافظا للشعر ومتذوقا له، فحتما ستكون في هامش المجتمع الذي يستمع للأديب والعالم والشاعر، أكثر من سماعه للآخرين.
– ماذا تعني كلمة ” لغن” ؟ وماذا عن الأدباء الحسانيين ؟
– هو الشعر بلغة بني حسان، ومن تكلم بلهجتهم فلابد له أن يحفظ قصائد “اطلع” عن ظهر قلب، لأن البيئة واللغة هنا في الصحراء، هي بيئة شعرية أدبية بامتياز، ف “لغن” الحساني هو شقيق الشعر العربي الأصيل، ويحمل نفس أغراضه و مميزاته، كالمدح والتكسب والغزل والرثاء وشعر الأطلال، الى غير ذلك من المميزات الأصيلة التي يشتركان فيها .
أما الأدباء الحسانيون فكثيرون، منهم من حفظته الذاكرة الشعبية الشفهية وحفظت شعره، و منهم من نسيته الذاكرة، وبقي شعره متواترا على كل لسان.
– ما حظوظ الأمسيات واللقاءات الشعرية بمدينة العيون ؟
– حينما نتحدث عن الأدب في الصحراء، وأمسيات السمر الشعرية، فإن ذلك لايخلو منه زمان ولا مكان، و لامجلس شاي، ولا بيت ولا خيمة، لأن البيئة هنا هي بيئة شعرية أدبية بامتياز. أما حين نتحدث عن الأمسيات والملتقيات الشعرية والأدبية بمفهومها التنظيمي الحديث، فإننا نعاني من قلة هذه الأنشطة والمناسبات الأدبية.
– ماهي مشاكل وإكراهات الساحة الثقافية الصحراوية..؟
– كثيرة هي الإكراهات، وكثيرة هي المشاكل التي نعاني منها ثقافيا في الصحراء، وأكبرها هو أننا كصحراويين، نملك تراثا شعريا وأدبيا وإنسانيا لايستهان به، لكننا نعاني من صعوبة تقديمه للعالم، فكيف يعقل أن تكون الحسانية أقرب اللهجات إلى الفصحى العربية، مجهولة من أغلب المواطنين العرب، و مجهول تراثها الأدبي والتاريخي والعلمي.؟
نحن كمثقفين صحراويين، نملك هذا الإرث الأدبي الشفهي الكبير، لكننا لازلنا لم نعرف كيف ندونه، و نقدمه للعالم في أبهى تجلياته، بالطبع هناك إكراهات كثيرة وتحديات كبيرة، لكن عندما تكون الإرادة الجادة المكثفة في هذا المجال، فلاشك سنستطيع تقريب العالم، من هذا التراث الإنساني الشفهي اللامادي الكبير. ومن هذا المنبر، أحيي كل الباحثين الصحراويين الذين نذروا بحوثهم، ودراساتهم لخدمة و إحياء الثقافة الحسانية.
– في ظل التعتيم الحاصل والجهل الكبير بعوالم الصحراء. برأيك، التعريف بالصحراء وقضايا الصحراء وهموم الصحراء، مسؤولية من؟ وهل تلمس أي تحركات في عصرنا الراهن من شأنها رفع هذا الغموض؟
– من البديهي أن تكون المسؤولية مشتركة، لجميع المتدخلين في الشأن الصحراوي، من منتخبين ومثقفين وأدباء وعلماء، كذلك لن نعفي الدولة من مسؤوليتها الكبيرة تجاه قضايا ومعاناة الإنسان، والمواطن الصحراوي، سواء كان مواطنا بسيطا أم مثقفا أم منتخبا.
إن التحديات كبيرة جدا في التعامل مع هذه القضايا، وحين نقول الصحراء وقضاياها، فلابد أولا من معرفة علمية دقيقة بتركيبة الإنسان الصحراوي، وثقافته وعاداته واهتماماته، وميولاته الإجتماعية والسياسية والثقافية.
والأولوية للإنسان قبل الأرض، ولايمكن للدولة أن تحوز على الأرض بدون أن تكسب الإنسان الصحراوي، عبر الإنصات له ولمعاناته وقضاياه وهمومه.
ولست مبالغا إذا قلت، بأن الدولة لازالت تتعامل مع قضية الصحراء، وكأنها محصورة في الأعيان فقط، والمنتخبين، الذين لايتبنى أغلبهم قضايا ومعاناة الإنسان في الصحراء.
“وجع المدينة” عنوان قصيدة لك. متى تبلغ مدننا درجات الوجع؟
المدن كالنساء ..تعشقها فتوجعك وتعشقك فتوجعها.. وجع المدن، هي أحاسيس طبعت علاقتي بالمدن التي زرتها، وارتبطت بها أو سكنتها لبرهة من الزمن، ثم غادرتها مكرها أحيانا، أو طائعا في أحايين أخرى، ولذلك ستجدين عناوين بعض قصائدي فيها ذكر لـ “المدينة” إفرادا أو “المدن”جمعا :
/ وجع المدن/ مدينة حبلى/ غادرت المدينة…
المدن هي ذاكرة حب ووجع، تحتضنك أحيانا في لحظات حميمية دافئة، وتلفظك تارة أخرى في لحظات ألم موجع.. هي تشبه ساكنيها، تتغير ملامحها عندما تكبر، لكن أجمل المدن، هي تلك المدن التي تهبك قصيدة شرعية في ليال عاصفة :
المدينة حبلى
عبر الطفل أحلامها
شقها إلى نصفين
ألهمها قصيدة من وجع
يفاجئها المخاض
يغسلها الوجع مثل أمطار الصيف
سأقتحم أسوار المدينة
أغتصبها كأي إمرأة مجنونة
وتلد الليلة إبنا من شعر.
– تغنيت في قصيدة” تسكنني مدينة” بمدينة الصويرة. هل أنت دائم الزيارة لمدن مغربية أخرى بعيدا عن محيط الجنوب والصحراء ؟
– أعشق المدن الساحلية الهادئة، كالصويرة والعرائش وأصيلة و مرتيل والداخلة والوطية وسيدي إفني، هذه المدن تشدني إليها صيفا، وأحس دائما بأنها تحتضن قصائدي، وتمد لي يد الحفاوة الشعرية، كلما لملمت حقائبي وأوراقي راحلا إليها، ولذلك ستجدين بعض قصائدي، مذيلة بأسماء المدن الساحرة التي كتبت فيها.
– القارىء لقصائدك يلحظ الحضور القوي للمرأة فيها. ما السر في ذلك ؟
– المرأة هي التركيبة الكيميائية السحرية التي تكون كنه القصيدة .. بالنسبة لي، تبقى المرأة هي السر المكنون، الذي لازال الشعراء لم يوفوه حقه بعد، فرغم ماكتب عنها عبر تاريخ الشعر، فهي لازالت سرا ملهما لكل شاعر يبحث عن الجمال في روح الأنثى، و تفاعلها مع الحب والسمو الراقي بالكلمة الشاعرة، لترقى لمستوى هذه المشاعر الرائعة التي تحيطنا بالحب والجمال، وتغدق علينا به دون انتهاء. .
ووهنا تحظر لي طرفة مضحكة، سبق أن صادفتها مع المرأة (خوجاني ضاحكا ) . مرة كتبت في صفحتي على الفايسبوك :
( لو يعلم الرجال ما يفعله الشعر في المرأة لأصبحوا كلهم شعراء. المرأة أبلغ إحساسا بالحروف من الرجل، كتابة واستماعا).
فجاءت التعليقات كثيرة بين مؤيد ومعارض لما ذهبت إليه، لكن أطرفها هو تعليق إحداهن قائلة :
– ( الحمد لله أنهم ليسوا كلهم شعراء وإلا لترجل الشعر. ) هههه
هذا يؤكد بالملموس احتضان حواء للشعر، لأنه متنفسها وعطرها الفاتن، الذي تتفاعل معه بكل ما أوتيت من حب و اهتمام.
وخلاصة القول، فإن المرأة هي كنه القصيدة وروحها المشتعلة، بها يزهر الشعر، وعلى شفتيها تنطق القصيدة وبعينيها تنام الحروف…
أليست القصيدة أنثى، والقافية أنثى، والكلمات أنثى..؟
– لديك مشاركات شعرية متعددة. هلا تحدثت لنا عنها ؟
– هناك الكثير من المشاركات الشعرية والأدبية الثقافية عموما، التي طبعت مساري الأدبي، سواء جهويا أو وطنيا، وأبرزها ملتقى دواوين الإبداع، وملتقى عيون الأدب، بالإضافة إلى مشاركتي في الكثير من الندوات، والموائد المستديرة حول الثقافة الحسانية، والشعر العربي، والحساني بالخصوص، وبالمناسبة فنحن الآن بصدد الإعداد والتأسيس للنسخة الأولى من مهرجان “الواحة والبادية”، الذي سيقام هذا الصيف إن شاء الله، بواحة تغمرت الجميلة نواحي إقليم كليميم.
هذا المهرجان الكبير والمتنوع، الذي ستتبناه وتدعمه قبيلة أيت مسعود التكنية، باعتبارها إحدى القبائل المهمة و المحورية، في الخارطة الوادنونية، وفي واحة تغمرت، وبادية تيسة بالخصوص .
ونحن كلجنة ثقافية للمهرجان، حاولنا أن نؤسس لتصور شامل لفكرة مهرجان”الواحة والبادية”، عبر التنوع في الأنشطة والأهداف التي تخدم الثقافة الحسانية، وتلاقحها مع جميع الثقافات الأخرى في منطقة وادنون.
وستقام معارض ثقافية وإعلامية تراثية، وندوات فكرية، تصب في هذا الاتجاه، بالإضافة لسهرات فنية، تبرز تراث المنطقة الفني والشعبي، عبر إقامة عروض للألعاب، والفنون الشعبية التي تتميز بها المنطقة .
ومن ضمن أنشطة مهرجان “الواحة والبادية”، هناك ملتقى شعري متنوع، يجمع بين “المغنيين” الحسانيين والزجالين المغاربة وشعراء الفصيح، بالإضافة إلى حفلات توقيع كتب، وأنشطة فلكلورية صحراوية، كالتبوريدة وسباق الهجن، وغيرها من الأنشطة التي ستحتضنها واحة تغمرت، قصر أيت مسعود هذا الصيف إن شاء الله .
– ” رمال وأوراق” إصدار شعري أول لك. هل من إصدارات أخرى تلته ؟
– صدر لي كذلك ديوان مشترك مع بعض الزجالين والشعراء المغاربة، عنوانه “الباكورة الشهية”، وأعمل الآن على إنجاز عملين نثريين جديدين: “وجع المدن” و “قصائد إس إم إس”، وهناك مساهمة في عمل يبرز الثقافة الحسانية، وقد يأخذ وقتا طويلا، وهو بعنوان “أنطولوجيا الأدب الحساني”، إنه اجتهاد في إبراز بعض النصوص الشعرية، والأمثال الحسانية، وشرحها وتقريبها من القارئ العربي.
– من من الشعراء المغاربة والعرب الذين تركوا تأثيرا بداخلك ؟
– كثير من الشعراء العرب عموما أثروا في علاقتي بالشعر، وطبعوا بصماتهم على مساري الشعري، وبالرغم من أني أجنح للتميز، والإنطلاق من الذات، والبيئة، والواقع الذي أعيشه، فإني لا أنكر بأنني أحببت شعر نزار قباني، ومحمود درويش، وأحمد مطر، وغيرهم من الشعراء الذين رافقتني قصائدهم، طوال مرحلة الشباب وحتى الآن.
– حرصك الشديد على اللغة العربية يؤكد تمسكك بالهوية الثقافية الأصيلة. ما كلمتك لمن يعادون اللسان العربي الفصيح؟
– أعجب لأولئك الذين يحاولون تدمير لغتهم وطمس هويتهم. كل الشعوب تعتز بلغتها وثقافتها إلا نحن العرب، هل هناك مثلا أصعب من اللغة الصينية أو الهندوسية أو حتى العبرية..؟ وهل تجد أحدهم يعيب لغته أو يحاول طمسها أو معاداتها ؟
العربية هي لغة القرآن، وتميز الضاد، ولسان أهل الجنة.. وهل هناك أجمل منها..؟
ومن يريد استبدال حروف لغته بحروف لاتينية، أو يدعي بأنها لغة متجاوزة ، فعليه أن يعيد النظر في قناعاته وتوجهاته، لأن التنصل من اللغة والهوية ، ماهو إلا مسخ وشرخ في الوجدان، يصعب رأبه أو معالجته.
– ماهي كلمتك الختامية ؟
– ختاما أشكرك شكرا جزيلا، لأنك أتحت لي هذه الفرصة والاستضافة على صفحة مدونتك المتميزة، التي أعتبرها منبرا ومساحة كبيرة للتعبير عن قضايانا، واهتماماتنا الأدبية والوطنية والسياسية.
والشكر كذلك لمتابعي مدونة “أسماء التمالح”على متابعتهم للحوار.
تحياتي أسماء التمالح.