تشهد العديد من الشوارع والطرقات ازدحاما قويا قبيل وقت الإفطار، حيث تتحول الساعة الأخيرة من النهار إلى ساحة مبارزة وسباق من أجل الالتحاق بمائدة الفطور الرمضاني، فتكثر مخالفات السير التي تنتج عنها حوادث مدمرة، ويشتد الصخب والضجيج والمشاحنات في الشوارع، ويعلو صوت الصائمين بالكلام الفاحش، كنوع من ردة الفعل لكونهم يجدون أنفسهم في صراع مع الزمن الفاصل للإفطار، والذي يكون قصيرا جدا ولا يخول لهم الوصول لتناول وجبة الإفطار في وقتها مع ذويهم دون تأخير.
لعل عدم التبكير في التوجه إلى المنازل، سبب كاف لتعطيل وقت تناول الإفطار، وسبب كاف لإثارة موجة من الغضب والعصبية في صفوف المتأخرين الصائمين، سائقين كانوا أو راجلين، مما يفرغ الصيام من جوهره النبيل ومضمونه السامي جراء العنف الطرقي الرهيب.
بمجرد أن يرفع صوت أذان المغرب، يسود السكون مجموع الأزقة والأحياء، حيث يلتف الجميع حول مائدة الفطور تاركين الأماكن شاغرة والساحات خاوية من حضورهم، لدرجة يخيل إليك أن سكان المنطقة قد رحلوا وغادروها، بينما هم منشغلون بملء بطونهم بعد يوم من الصيام، إذ سرعان ما تعود الحركة الدؤوبة لتستمر إلى وقت السحر، ثم لتخفت مرة أخرى مع بداية متجددة تنطلق مع الساعات الأولى من الصباح.
من الأشياء التي يستحسنها المرء في وقت الافطار في رمضان، هي شيوع ما يعرف ب “الإفطار الجماعي” أو إفطار عابري سبيل، حيث في الأولى يتم الاتفاق بين مجموعة من الناس أيا كانت صفتهم، هيئات وجمعيات وغيرهم، على تنظيم إفطار جماعي في مكان معين يحددونه، في حين لا يختلف افطار عابري السبيل عن سابقه، إذ يتم تحضير وجبة إفطار متكاملة بعد وضع عدة موائد في الفضاء العام، تحت إشراف وتنظيم هذه الجمعيات والهيئات، الهدف منها إفطار العابرين ممن لا يملكون طعاما، وغيرهم ممن اضطرتهم ظروف معينة للتواجد بالشارع العام وقت الإفطار.
عن أُمِّ عُمَارَةَ الأنصارِيَّةِ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا، فَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ طَعَامًا، فَقَالَ: «كُلِي» فَقَالَتْ: إنِّي صَائِمَةٌ، فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الصَائِمَ تُصَلِّي عَلَيْهِ المَلاَئِكَةُ إِذَا أُكِلَ عِنْدَهُ حَتَّى يَفْرغُوا». وَرُبَّمَا قَالَ: «حَتَّى يَشْبَعُوا» رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَن).
وقت الإفطار هو موعد حساس، ومسافة فاصلة بين إمساك عن الطعام بالنهار، وإقبال مشروع على الأكل وقد أرخى الليل سدوله، والناس في هذا الموعد مطالبون بالتأني والحكمة وحسن تدبير الوقت، مع التبكير باللحاق بالمنازل إذا رغبوا في إفطار هادىء وممتع مع عائلاتهم.