كان من المنتظر أن تتغير حياتنا نحو الأفضل ونحن نعيش فترة عصيبة طبعها الكوفيد 19 بشتى أنواع السلبيات، ليحرمنا من مجموعة من النعم كنا ربما لا نستشعرها ولا نعطيها حقها في التقدير، غير أن النهج نفسه استمر مع وجود الكوفيد بل وزاد استياء.
كان يتوقع أن نحب بعضنا أكثر من السابق، ونتمسك ببعضنا البعض أشد من الماضي، فنحسن من علاقاتنا ونحيي قيمنا وأخلاقنا الكريمة، ونبتعد عن كل ما لوث حياتنا وسممها حتى أدركنا الكوفيد، إلا أن العكس هو الحاصل، فالأحقاد مستمرة، والكراهية زادت حدتها، والعقد تناسلت، والظلم تفشى بشدة، والأنانية تفرش ظلالها في كل الأمكنة، لدرجة صاح البعض قهرا : الكوفيد أرحم من بشر لا يعرف الرحمة.
صحيح أن التغيير ينبع من ذات المرء نفسه لا من الخارج، والإنسان هو المحدد الرئيسي لنوع التغيير الذي يصبو إليه، وهو إما تغيير إيجابي وإما تغيير سلبي، فأما الذي طبع الحياة العامة راهنا فإنما هو التغيير نحو الأسوأ، وعوض إلقاء اللوم على كورونا وتداعياتها وجب لوم الذات البشرية، لكونها الحلقة الرئيسة والمحور الأساسي في تحريك دواليب الحياة.
نعم .. إن الدروس التي حملها الكوفيد 19 للبشرية لم يستفد منها أحد، ولم يكترث أحد للعبر المستوحاة منها، فجل الناس منشغلون بهوى النفس، لاهثون خلف مظاهر الحياة الخداعة، منجرفون وراء تيار البريق المزيف للدنيا، رغم أنهم يعلمون تمام العلم أنهم مجرد عابري سبيل فيها، وأن حياتهم الجديدة تبدأ من الآخرة حيث يحين الرحيل الذي يحتاج عدة ومؤونة رأسمالها العمل الصالح.
في زمن الكوفيد، غلت الأسعار وارتفعت بدل أن تكون في متناول العامة، لم تسلم ” الكمامة” – وهي المنتوج الجديد المفروض في الوضع الصحي الراهن – من المضاربة، رغم أن سعرها سبق وحدد في ثمانين سنتيما للواحدة إلا أن هناك أثمنة أخرى حاضرة بالسوق يعتمدها التجار بعد فتح العلبة و الشروع في بيع كل قطعة بثمن أقله درهم ونصف للكمامة الواحدة، وما الدافع إلى ذلك سوى الجشع واستغلال الظرف العصيب الذي يجبر العموم على ارتداء الكمامات كواحد من الإجراءات الوقائية من وباء كوفيد 19.
كان على البشرية أن تتوحد في تصديها للجائحة العالمية ” كورونا” وتستخلص الحكم من ظهور الكوفيد 19 المفاجىء، وكما وحد الوباء العالم وسوى بين غنيه وفقيره، صغيره وكبيره، ضعيفه وقويه، كان لزاما أن تتوحد الصفوف للتخلص منه، عن طريق سد منافذ الأنانية، وبث روح الإيثار والإحسان ومد يد العون والتكافل والتضامن و ..و ..
كان على البشرية أن توحد الرؤية وتخلص النية في التعامل مع بعضها، قتنبذ المكر وتترك الغش وتفسح المجال للإنسانية في أسمى معانيها، كان لزاما أن يتحمل الجميع تبعات الوضع الوبائي ويسارع للتغيير من منطلق نفسه أولا : يحسن من سلوكاته، ينظف قلبه وعقله، يطرد الشر ويفسح المجال لسبل الخير وهكذا دواليك.
مع كل أسف، لم يحصل شيء من هذا وخلصنا في النهاية أن حياتنا في الكوفيد لم تتغير، رغم أن الباعث الأصلي للكوفيد 19 كان ينشد التغيير، وكما أفسد على الناس حياتهم وقيد حرياتهم وفرض شروطا وحدد ضوابط جديدة للعيش، كان ينتظر ردا من البشرية أساسه الانضباط عوض الاستهتار والتهور، وكان ينتظر انتصارا منهم للخير على الشر، وحرصا قويا على الصحة العامة والأمن العام، إلا أنه اصطدم بواقع معاكس تماما: يسعدهم الجمود ولا يغريهم التطور، فقرر أن يتطور هو ويتحول من فيروس عادي إلى فيروس متحور له سلالات، ماداموا هم – البشر – غارقون في ملذات الحياة وآخر همهم تسلق درجات الرقي، والمشي بخطى حثيثة نحو تغيير أفضل يكفل حياة رغدة وعيشا كريما وصحة مستقرة ينعم بها الجميع.