تجمعني بأُصُص بيتي علاقة حب جميلة، توطدت مع حسن عنايتي بهم وحسن اهتمامي، ولعلهم يعوضونني عن مجمل الخيبات التي اعترضت وتعترض طريقي في هذه الحياة المتعبة . بدأت العلاقة بحضوري مراسيم تجهيزهم من طرف والدتي – حفظها الله تعالى ورعاها – بمساعدة من والدي بارك الله في صحته وعمره.
كنت أنظر إلى المشاتل الصغيرة بإعجاب وشغف، وأتأمل تلك البراعم الصغيرة التي كنت أستشعر بداخلي حاجتها الماسة للرعاية والسقي المتواصل كي تنمو بشكل طبيعي ولا تذبل، ولأن والدتي – شافاها الله وعافاها – لا يمكنها المواظبة على الأمر، قررت أن أتولى بنفسي المهمة .
صرت كل صباح أمر على أصدقائي الأصص، ألقي عليهم التحية الصباحية وأوزع عليهم الماء الواحد تلو الآخر، كان بعضهم يشد نظري إليه، فأقترب منه متأملة حاله، لم أكن في البداية أفهم لغة النباتات، سيما وأصصي لازالوا صغارا في طور النمو، ومع ذلك كنت أقوم بواجبي نحوهم بكل حب و تعلق وأنصرف.
مع الأيام ومع حسن المواظبة على التفقد والري، نشأت بيننا علاقة جميلة ، وصرت أفهم لغة أصصي الوديعة التي كلما وقفت على رأسها أهدتني ابتسامة مشرقة تنم عن حب وإخلاص ووفاء متبادل قل نظيره بين بني البشر، فأرى بعضها يتمايل أمامي فرحا واستبشارا بقدومي، وأرى بعضا آخر مزهرا متفتحا في وجهي كأنه يشكرني ويكافئني على حسن رعايته، وأرى بعضا ثالثا قد انبطح أرضا بعد تكاثره ولسان حاله يعبر لي عن آيات التقدير والاحترام.
هكذا أحس وأنا بين أصصي الجميلة، أميرة مدللة تلتف حولي مجموعة مشاتل بألوان زاهية، تنوعت بين أبيض ووردي وأحمر وأخضر وبنفسجي وأصفر، تتحرك أمامي في زهو وتطربني بأحلى الأغنيات، نقضي سويا لحظات ماتعة ونضرب مع بعضينا موعدا متجددا تتجدد فيه المشاعر النبيلة والأحاسيس الجياشة والتقدير العظيم واللقاء الأعظم.
ما أحوج الإنسان لمثل هذا الترابط والتماسك المبني على المرونة والسلاسة و الرقي في البذل والعطاء في علاقته مع أخيه الإنسان، ما أحوجه للاعتراف وعدم الجحود، و ما أحوجه للحب الخالص والتواصل الصادق المستمر.
ما أتعسنا مخلوقات ونحن نغتنم فرص الأخذ ونغيب وقت العطاء، نبيع الثمين بأرخص الأثمان ونتخلص منه في أول محطة تعرج على مصلحتنا الشخصية دونه . ما أشقانا بشرا وقد استلبتنا الماديات ووأدت فينا الروح المعنوية والجوهر الخلاب !!!!