مر من أمامه أكثر من ذكر، كان يجلس هادئا يرمق بعينيه البراقتين. فجأة، أبصرت عيناه أنثى قادمة، تحرك من مكانه وقفز قفزة أثارت رعب صاحبه. تحول الكلب من وديع إلى هائج، ومن أليف إلى متوحش، نباحه أحدث ضجيجا، وحركاته كانت مستفزة .
الأنثى قادمة، والكلب يسابق خطواته ليصل إليها. هي اختلت مشيتها، لم تعد تعرف أي قدم تقدم أو تؤخ، فأطلقت صرخة من دون وعي لهلعها الشديد. تأهبت للفرار، لكن الكلب المهاجم استنفر كل قواه لكي لا يدع لها فرصة للإفلات.
كلما اشتد خوف الأنثى، تضاعف طغيان الكلب وتمرده. قررت الصمود والتصدي لهذا الجبار، الذي يريد أن يمارس بطولته عليها. أمسكت جيدا محفظتها، وتظاهرت بالثبات. وجهها المصفر وجسمها المرتعد كشفا ما تخفيه من ارتباك، ورغم ذلك قررت أن لا تجري، أو تبدي علامة خوف للكلب المغوار، الذي يسعى إلى النيل منها.
ــ ألم تجد أيها اللئيم، غيرها تتحرش به هكذا ؟
ــ فيم أذنبت ؟ إنها تمر من الطريق فقط.
• إهدأ أيها الحقير، إهدأ.
أزعج صوت النباح رب الكلب، ولم يرضه تصرفه. فتدخل وهو يمسك حجارة بيده، رماه بها ليخلص الأنثى المرتجفة، وليؤدبه.
تابعت هي طريقها، ودقات قلبها المتسارعة متواصلة، وقد ضاعفت من حرصها على نفسها من المتحرشين، دون أن تكف عن إمطار الكلب بكل اللعنات، والتشفي فيه لما لقيه من صاحبه.