هو المعدن النفيس الذي لا يقدر بثمن ، هو المقياس الحقيقي لجوهر الانسان وحقيقته ، هو العملة النادرة الثقيلة الوزن التي لا تعوضها كنوز الدنيا ، مهما وصفناه لن نوفيه حقه ومهما أثنينا عليه نظل مقصرين ، ورغم كل هذا وذاك طاله الأذى ولم يسلم من أيدي العابثين . تارة يقصى ويلقى به جانبا ، تارة يستغل لقضاء بعض المصالح الخاصة ، وتارة يقذف بأنه علامة من علامات التخلف فينعت ذووه بالأغبياء و السذج .
حينما يمسك الضر ويفاجئك المرض وتباغتك المصائب ويكون أول المحفوفين بك من كانوا يشاركونك بالأمس أسعد الاوقات ، وهم اليوم يساندونك وانت في عز ضعفك فاعلم أنه الأصل الطيب . حينما تكشر الدنيا عن أنيابها في وجهك ويتخلى عنك الجميع ، فتجد امرأة أحببتها و أحبتك بصدق هي الوحيدة من بقي منهم بجوارك يواسيك ويمنحك الحياة من جديد اعلم انه الأصل الطيب . حينما يطرق بابك رجل طالبا راغبا في الزواج الشرعي من غير اهتمام بنسبة جمالك أو سنك او ما تملكين وعائلتك من مال وجاه بل كل اهتمامه منصب على شخصك ونبلك وأخلاقك فاعلمي أنه الأصل الطيب .
حينما تكبر وتخونك الصحة ويعرف العجز مساره اليك فتجد أولادك لا يتوانون في خدمتك ، ويتناوبون على العناية بك يمدونك باللقمة قبل أن يلقوا بها في أفواههم اعلم أنه الأصل الطيب .
حينما …وحينما …وحينما ….لأن أوجه الأصل الطيب لا حصر لها وصورها لا تحد ، وان كانت غيبت في زماننا فانها تظل تحتاج الى من يبحث عنها ، خصوصا عندما تظهر معالم مشكلة العصر و التي تكمن في عشقنا للجاهز المتيسر وقبولنا بالمستهلك المعروض مما يعرضنا الى عدم تكليف انفسنا عناء البحث عن أمر وان كان ذا أهمية بالغة ومكانة متميزة، فنكتفي في بلوغ أمانينا على اعتماد أسهل الطرق وأبسط الأساليب وصولا لتحقيق الأهداف ، سيما وأن ما نناله بالسهل حري بنا أن نفقده بالسهل أيضا ، بينما الذي يأخذ منا مجهودا وتعبا من أجل امتلاكه يصعب جدا علينا فقدانه وضياعه لكونه الأصل ، والأصل دائما يمثل الجودة و الكنه الحقيقي للشيء ، اذ نادرا جدا ما يثبت العكس .
هناك اعتقادات شائعة في الأوساط الشبابية ، مفادها حسب الشباب الذكور أن الأصل الطيب قد انقرض بشكل نهائي بالنظر الى مستوى التحرر الذي بلغته الكثير من الفتيات ، وبالنظر الى انجذاب فئة مهمة من بنات حواء للماديات أكثر من اي شيء آخر ، يسجلون هذا ويدونونه وقد انحصرت نظرياتهم على فئة معينة من الفتيات ، أولئك اللواتي يطفن الشوارع ليل نهار من غير جدوى ، أولئك المترددات على المقاهي و المقبلات على الحانات و المرحبات بكل زبون يدفع أكثر من غيره ، وطبعا هذا خطأ كبير وجرم أكبر في حق حواء ، حيث من يريد الأصل الطيب لا يبحث عنه في هذه الأماكن ، فالشوارع العامة و المقاهي ومحلات بيع الخمور و المراقص الليلية لا تجسد اطلاقا الوجه المشرف للمجتمع حتى نصدر أحكاما عامة على بناتنا من منطلقها ، انها تعكس الجانب الملوث و اللاأخلاقي ، لذلك كان أولى بالشباب أن يفتشوا ويبحثوا عن الأصل الطيب في البيوت و المنازل ، بين العائلات وفي الفضاءات النظيفة وما أكثرها ، ولعله ما عهدناه في مجتمعاتنا العربية الوفية حيث هو الطريق الذي سلكه أسلافنا من آباء و أمهات ، أناس دخلوا البيوت من أبوابها ولم يقفزوا من النوافذ كما هو حال شبابنا اليوم ، الذي رضي بمسلمات دخيلة مستقطبة من ثقافات لا تتناسب وثقافتنا العربية ذات الطابع الجدي المتميز .
عديدات هن القابعات في بيوتهن ينتظرن من يطرق بابهن للارتباط ولا من طارق ، لتكون المشكلة ليست في الأصل الطيب بل في من يبحث عنه ، فمن يبحث عنه ؟؟
ليس هناك أروع من صبغة المحافظة في علاقاتنا الاجتماعية ، خصوصا عندما يتيه بنا الطريق وندرك أننا وقعنا ضحايا سوء اختيار، سببه ابتعادنا عن دائرة المألوف و المعمول به في تراثنا وعاداتنا وتقاليدنا الاجتماعية .
ان مسؤولية البحث عن الاصل الطيب منوطة بالمرأة ايضا ولا تحصر نفسها عند الرجل ، فهي مطالبة هي الاخرى بأن تحسن الاختيار وتعالج الأمور بعقلانية وهي تضع نصب عينيها الأصل الطيب جاعلة اياه من أولى أولوياتها.
فهل سنعيد للأصل الطيب اشعاعه وبريقه ؟؟