بقلم : د . أبو الخير الناصري
لم يُقدّر لي الله سبحانه أن ألتقي بالعلامة الفاضل سيدي عبد الله التليدي رحمه الله تعالى سوى مرةٍ واحدةٍ، كان ذلك في مدرسته بحي مرشان بطنجة حيث قصدته لسؤاله عن مسألتين اثنتين، لكن لقاءاتي ببعض مؤلفاته تعددتْ واتسمتْ بمتعة وفائدة حققتهما أفكارُ الشيخ وآراؤه. ومما أذكره هنا أن أول ما قرأت له كتابه عن شيخه سيدي أحمد بن الصديق رحمه الله تعالى، وهو كتابٌ يُبرز محبة الشيخ التليدي لشيخه ابن الصديق، ووفاءَه له، وبرّه به، وهي الخصال التي تُطل من كتاب آخر جَمَعَ فيه الشيخ التليدي رسائل أستاذه ونَشَرَها معنونا إياها بـ”دَرّ الغمام الرقيق برسائل الشيخ السيد أحمد بن الصديق”.
وتكررت المتعة والفائدة عند قراءة أعمال أخرى للرجل رحمه الله تعالى كسيرته المسماة “ذكريات من حياتي”، و”أسباب هلاك الأمم”، و”أهل السنة والشيعة بين الاعتدال والغلو”.
حينما علمتُ بوفاة سيدي عبد الله التليدي يوم السبت الخامس من غشت الحالي شرعتُ أقلب في بعض دفاتري عما كنت كتبته عنه، فوجدت الفقرتين الآتيتين:
السبت 28 رمضان 1427هـ/ 21 أكتوبر 2006م
الحمد لله
أتممتُ صباحَ اليوم قراءة كتاب الشيخ عبد الله التليدي “ذكرياتٌ من حياتي”، وهي المرةُ الثانية التي قرأت فيها هذه السيرة الذاتية المفيدة لصاحبها الشيخ التليدي، وهي سيرةٌ لا أمَلُّ قراءَتها، وأجِدُ لها لذةً في نفسي تدفعني إلى قراءتها مرة ثالثة والنَّسْج على منوالها عندما أريدُ كتابة سيرتي الذاتية إن شاء الله.
يوم 18 نوفمبر 2006م
الحمد لله
ذهبتُ إلى مدينة طنجة لزيارة الشيخ عبد الله التليدي وسؤاله عن أمرين اثنين وَلَّدَهما في ذهني نقاشٌ مع بعض الأصدقاء في قرية زومي وملاحظةُ صَنيع بعض المُصلين بها.
توجهتُ إلى مقهى الحافة مارًّا بملعب مرشان الذي كانت الساحةُ المقابلة له غاصَّة برجال السلطة والجماهير الكثيرة الراغبة في متابعة مقابلة في كرة القدم بين اتحاد طنجة والمغرب التطواني.
وعند اقتراب صلاة العصر توجهتُ إلى زاوية سيدي عبد الله التليدي (قرب مقهى الحافة، في زنقة تقع خلف المقبرة) حيث صليتُ العصر، ثم توجهتُ بالسؤال إلى سيدي عبد الله عن موضوعين:
– أولهما:
هل يجوز لِمَنْ صام ستة أيام متتابعة من شهر شوال أن يصومَ يوما سابعا مع أصدقائه الذين لم يكملوا أيامهم الستة؟ فكان جواب سيدي عبد الله التليدي أن ذلك جائز. ولاحظتُ أن جوابه كان بإشارة من رأسه ويده، ولم يتكلم.
– وثانيهما:
أني سمعتُ بعض الناس يقولون عَقِبَ قراءة الإمام للفاتحة “آمين”، وهذا لا خلاف فيه، لكن منهم مَنْ إذا قرأ الإمام بآياتٍ كالتي في أواخر سورة البقرة (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تُحَملنا ما لا طاقة لنا به، واعف عنا، واغفر لنا، وارحمنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين) قالوا “آمين”. وكان سؤالي للشيخ: هل يجوز هذا التأمين، فقال: لا يجوز.
رحم الله العلامة سيدي عبد الله التليدي، فقد كان عالما فاضلا، شديد العناية بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، حريصا على تأليف ما ينفع الناس ويفيدهم في دنياهم وأخراهم. رحمه الله سبحانه، وغفر له، وجعله من أهل الجنة. وإنا لله وإنا إليه راجعون.