بقلم : ذ. عبد الحق الناصري
بسم الله الرحمن الرحيم
الأحد ١١ ربيع الثاني ١٤٤١ هجرية
المواقف ٨ دجنبر ٢٠١٩ ميلادية
كم وجدتني حائراً أضع المقارنات وأسترجع شريط ما رأيتُ وما سمعتُ وما قرأتُ مما هو معروف بين الناس من نكران جميل وصد وهجر، بل وجفاء لأولئك الذين منحوا الناس وأعطوا من قريب أو بعيد وجُوزُوا بالطمس والطمر في غير حتى كلمة طيبة يسمعونها في حياتهم أو تُقال في حقهم بعد رحيلهم.
وبالمقابل كم رأيتُ من هواة الأضواء وحب الشهرة من يبدل الغالي والنفيس من أجل أن يحتل موقعاً يزاحم فيه المشهورين والمرموقين بأعمالهم وكتاباتهم في الفكر والأدب، ولم يلتفتوا إلى من كان وراءهم ينير عقولهم ويمهد لهم الطريق، يسهل عليهم الوعر ويلين لهم الصلب ليبلغوا ما بلغوه.
لكن بالمقابل هناك من لم ينس فضل خَلقِ الله عليه، لا يفرق في هذا بين مشهور ومغمور، فأثنى أول ما أثنى على الوالدين وفَضلِهما، وفقيه الكُتّابِ ورحابة صدره، والمعلم في المدرسة وجلال قدره، والأستاذ وفيض علمه، والعالِم ونور بصيرته.
فأعطى لكل ذي حق حقه، بعدما نظر وراءه فوجد هذه الجنود المجندة منَ الذين بَنَوه لبنة لبنة، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، فيقابلهم بالوفاء وحسن الخُلُق والتواضع والكلمة الطيبة و ( الكلمة الطيبة صدقة ).
فجزى الله والديك عنك ومربيك ومعلميك وأساتذتك، ورفع قدرك بقدر ما رفعتَ قدرهم وأحطتهم بجميل ذكرك لهم، فأرَّختَ لهم في ثنايا كتبك، ببهاء لغتك، وبيان حُجَّتِك، وصفاء منهجك، وصلابة قدوتك، ومتين حبلك الموصول بأعظم صلة هو حبل الله سبحانه وتعالى، ومن توكل على الله فهو حسبه.
لقد نهلتُ من كتبك جليل الفكر، وجزل العبارة، وَحَمَل إليَّ زادُها من حكمة الحكماء وبيان البلغاء ما به عرفتُ كيف تكون الكتابة دواءً للكثير من الأمراض والعلل الاجتماعية، تسير سيرة الطبيب الحكيم في تشخيص الداء ووصف الدواء الشافي الذي تطمإن إليه النفس وتقر به العين، صافٍ مَعينُه لا تخالطه شائبة، ولا تهدف به تحقيق مصلحة ذاتية ولا منفعة شخصية، وإنما تروم الإصلاح ما استطعتَ.
حفظك الله ورعاك وسدد على قول الحق خطاك، فإنه لا يَقدِر على قول الحق إلا حر، ونفع بك عباد الله لغةً عربيةً صافيةً سليمة، وفكرا وعلما وأدبا مُصلِحا ليِّنا رحيما متواضعا، وجعلك خير خلف لخير سلف، وخير والد وما ولد، متصل نسبه بمن قال فيه نبي الله ورسوله ﷺ ( لقد أشبهتني خَلقاً وخُلقاً) من ليس في الجنة ذو جناحين سواه، وليس فيما قرأتُ من كتبك التي أهديتني إلا النافع الحاث على الإستقامة، الممحص لكل فكرة، الذي لا تغريه ( الموضة ) ولا تستقطبه الحزبية الضيقة، لا تثني على المستحدث الممسوخ الضار للمجتمع، المنسلخ عن الكتاب والسنة وإجماع العلماء، الصامدُ في وجه كل تيار، الواضعُ كل مقبل عليه في ميزان الشرع، موافقا على ما وافق الشرع من غير تعصب ولا تشدد، وإنما حفظك الله منخالٌ شرعي غايته صلاح المجتمع بدرء المفاسد وجلب المصالح حمايةً لبيضة الأمة ومنافحا عنها، بالعبارة السهلة الوجيزة، يكنس الزيف والباطل ويُظهِر الحق وما فيه من قوة الحجة لصلاح أمة الإسلام مصداقا لقوله ﷺ في حجة الوداع (…فإني قد تركتُ فيكم ما إن أخذتم به لن تضِلوا بعده كتابَ الله وسنتي، ألا هل بلغت اللهم فاشهد…)
(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمومنون، وستردون إلى عالِم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) سورة التوبة الآية ١٠٥
حفظكم الله بما حفظ به السبع المثاني والقرآن العظيم وسائر آلكم الكرام وكل محبيك وتلامذتك ومن عرفك وأحبك في الله عِلماً وأدباً من قريب أو بعيد، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.