يكفي نطق اللفظ المشير إليها ليشعر المرء – الذي يتقي الله – بالإشمئزاز والتقزز، وتنبعث في نفسه الرهبة والخوف الكبير من رب العالمين الذي نهى عن الإقتراب منها وحرمها تحريما قاطعا في سورة النساء في كتابه العزيز الذي يقول: ” ( حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما ( 23 ) .
زنا المحارم .. الجريمة التي تدمر المجتمعات، ويهتز لها عرش الرحمن خوفا من غضب الله، الكبيرة التي بات ورمها ينخر البيوتات حتى غدا السكوت عنها والخجل من التعرض لموضوعها أمرا غير مستحب بالنظر إلى مخلفاتها وانعكاساتها الخطيرة على البنية الإجتماعية السليمة التي يتأسس عليها كل مجتمع سليم .
أن يفتض أب بكارة ابنته فتحمل منه وتضع مولودا، وأن يزني أخ بأخته، وعم بابنة أخيه، وخال بابنة أخته والقائمة تطول، معناه أن بعض البشر قد تجردوا من إنسانيتهم وسمحوا لأنفسهم بأن ينهشوا في لحمهم ودمهم مثلما تنهش الكلاب بعضها، فلا همهم شرف يضيع، ولا نسل يتلوث، ولا مجتمع يتأذى من صنيعهم، ولا اكترثوا لسخط الله عز وجل ولا لاستنكارات العباد .
لم يحرم الإسلام هذا النوع من الزنا عبثا، بل بناء على قواعد وأحكام من شأنها الرفع من قدر وقيمة البشرية، والبلوغ بها منزلة الرقي والحضارة والكرامة والعزة، حفظا للأنساب، صيانة للأجساد، وتنظيما للحياة الإنسانية العامة التي يتقاسم فيها الإنسان الأدوار كل من جانبه، فيتبوأ كل فرد مكانه داخل الأسرة ويتم التمييز بين الزوج والأب والجد والعم والخال وأبناؤهم، ويتم التمييز بين الزوجة والإبنة والخالة والعمة والجدة وبناتهن … أما والحال في زنا المحارم فالكل مختلط ببعض، والجميع متبعثر في الجميع، مما سهل ضياع الهويات وشتت الشمل العائلي، وفكك الأسر وأفرز مجموعة من الأمراض النفسية والعضوية مستعصية العلاج .
معهد Unicri بروما أجرى بحثا عن ضحايا الجريمة شمل 36 دولة منها دول عربية مختلفة، تبين من خلال إجابات الإناث اللواتي تم إجراء مقابلات معهن أن 10 في المائة من العينة الكلية تعرضن لزنا المحارم، وتبقى هذه النسبة ضئيلة بالنظر إلى أن كثيرا من الحالات لايتم الإفصاح عنها .*
هناك عوامل كثيرة تساعد على انتشار الظاهرة منها ماله علاقة بالأخلاق مثل ضعف الأنا الأعلى ( الضمير) لدى بعض أفراد الأسرة أو كلهم، وماله علاقة بالجانب الإقتصادي مثل الفقر وتكدس الأبناء في غرفة واحدة مع آبائهم مما يجعل العلاقات الجنسية بين الوالدين تتم على مسمع وفي بعض الأحيان على مرأى من هؤلاء، وماله علاقة أيضا بالعامل النفسي حيث يكون أحد أفراد الأسرة يعاني من مرض الفصام أو التخلف العقلي أو الهوس … دون أن نغفل ما تعرضه وسائل االإعلام المرئية من مواد تشعل الإثارة الجنسية، وكذا معضلة الإدمان على الكحول والمخدرات والتي تعد أقوى المسببات لزنا المحارم .
للجريمة آثار نفسية واجتماعية خطيرة جدا تتمثل في تداخل الأدوار واضطرابها كما سبق وأشرت، في اهتزاز الثوابت التي تشكل الوجدان القويم والوعي الإنساني الحقيقي، في بث مشاعر سلبية غالبا ومتناقضة أحيانا اتجاه المواضيع العاطفية والجنسية لدى الضحية، في الشعور بالذنب والخجل والعار والإقدام على الإنتحار ….
يبقى الإفصاح عن الجريمة من طرف الضحية هو أول خطوة نحو العلاج ( العلاج النفسي) قبل الإنتقال إلى العلاج الدوائي، وثمة أمور لا تقل أهمية يجدر الإنتباه إليها وأخذها بعين الإعتبار داخل البيوت والأسر نذكر منها :
– مراعاة الخصوصيات في الغرف المغلقة والإستئذان قبل الدخول .
– ستر العورة بملابس غير كاشفة لمفاتن الجسد .
– التزام مبادئ الإحترام بين أفراد الأسرة والإبتعاد عن المزاح غير الشريف بين الذكور والإناث.
– التفريق بين الأولاد والبنات في المضاجع .
هامش:
*( أحمد المجدوب2003 . زنا المحارم. مكتبة مذبولي، ص: 169. 170)