غير البروفيسور مصطفى العزوزي صاحب مشروع مستشفى القصر الكبير المتعدد الاختصاصات بوصلة الإبحار نحو جهات أكثر مصداقية، ووفاء بالعهود، فحظي باستجابة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لطلبه، فمنحته قطعة أرضية بمساحة هكتارين، لتكون مجالا لتحقيق حلم ساكنة القصر الكبير، وتم إخبار الجمعية أو الدولة الإماراتية بحصول جمعية القصر الكبير للتنمية على قطعة أرضية أكبر وأحسن من الأولى مساحة وموقعا.
بعد ترميم الشرخ الذي أحدثه المجلس السابق وافقت اللجنة الإماراتية الموكول لها إنجاز وبناء مشروع المستشفى على استئناف عملها، وقد حلت بمدينة القصر الكبير، ولقيت حفاوة كبيرة من أعضاء مؤسسة القصر الكبير للتنمية، وأثناء مأدبة عشاء نظمت على شرف الوفد بدار احسيسن أشاد البروفيسور مصطفى العزوزي بالعلاقة الطيبة الأخوية المتميزة بين المملكة المغربية ودولة الإمارات العربية المتحدة حكومة وشعبا، وكان لعبد ربه نصيب في الترحيب بالإخوة الإماراتيين الأشقاء، ومما أتلج الصدر هو رغبة السيد الخليل الطرومباطي في المساهمة المادية من أجل تحقيق هذا الإنجاز، غير أن الغلاف المالي المخصص لبناء المستشفى وتجهيزه كافية وزيادة (15 مليون دولار)، فاستحق الابن البار للمدينة الشكر والاحترام والتقدير.
توالت الأيام في سباق نحو موعد انطلاق الأشغال في هذا الورش الصحي الكبير، وضاعف قطار الزمان سرعته وصيرورته، ليتوقف اضطراريا في محطة أخرى ليصلح عطبا، أو يتزود بطاقة من الأمل، لكنه يصطدم بواقع مرير، ويزيغ عن سكته قبل أن ينهي رحلته، ذلك أن حاجزا كبيرا من الآجور والإسمنت اعترض طريقه، فاضطر الوفد الإداري والتقني الإماراتي بصحبة البروفيسور مصطفى العزوزي صاحب المشروع أن يعرجوا إلى عامل إقليم العرائش ليبلغوه خيبتهم واحتجاجهم، وأن هناك من يسعى جادا إلى عرقلة مشروع بناء المستشفى، مبررين موقفهم: ليس من المقبول أن يرخص المجلس البلدي لشخص بأن يبني عمارة تحجب رؤية مستشفى كبير جدا، وتجعل الوصول إليه عبر منفذ ملتوي، والمبتغى يجب أن يكون المستشفى على واجهة الطريق، وليس مختفيا وراء الدور.
انتهت الزيارة بلا قرار ولا عنوان، عاد الوفد الإماراتي إلى قواعده سالما، وعادت مؤسسة القصر الكبير إلى نقطة الصفر والبداية، وحاول البروفيسور مصطفى العزوزي فك ألغاز النازلة، وفك شفراتها، وتحليل عناصر هذه المعادلة المعقدة، وهل من العدالة أن يجهض حلم مدينة؟، وهل تنخرط العدالة في مؤامرة إنساف هذا المشروع الصحي المتميز؟، أم من العدالة ألا نتهم العدالة؟.
وخلال فترة البياض والترقب انتقل إلى جوار ربه الكريم الشيخ زيد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات المتحدة، ومن جراء ابروتوكول سياسي أصاب الصقيع العلاقات السياسية والاجتماعية بين المغرب والإمارات، وأصبح المستشفى مهددا في وجوده، حبيسا في رفوف السياسة، وبعد شهور انقشع الضباب، واشرقت شمس الأمل من جديد، واسترجعت العلاقة بين البلدين صفاءها ودفئها، وفي هذه الفترة جد جديد في نظام صرف الهبات لفائدة المشاريع الخيرية الإماراتية خارج ترابها الوطني، وذلك بسبب اكتشاف الخارجية الإماراتية أن كثيرا من مشاريعها خارج البلد تكون عرضة للتلاعب، إما لا تنجز إطلاقا، أو تنجز دون احترام دفتر التحملات.
سن “البرلمان” الإماراتي قانونا يقضي بتقديم الهبة إلى الطرف المستفيد على شكل قرض، وعندما تنتهي الأشغال يحضر الوفد الإمراتي حفل الافتتاح، فإذا وجد المعاير مطابقة لدفتر التحملات يسلم رئس الوفد شهادة تنازل عن القرض للجهة المستفيدة، وإن كان الأمر ليس كذلك بنسبة معينة، أو لم يتم إنجازه تتم متابعة الجمعية في شخص رئيسها بتسديد القرض للجهة المانحة، وتطبيقا لهذا القانون المحدث طلبت الجهة المانحة من البروفيسور مصطفى العزوزي بصفته صاحب المشروع، ورئيس الجمعية المستفيدة بالتوقيع على 15 مليون دولار كغلاف مودع في بنك الإمارات مخصص لبناء مستشفى القصر الكبير بالمغرب، لكن الأستاذ العزوزي لم يجازف بالتوقيع على هذا المبلغ الكبير في غياب ضمانات فنية وحساباتية.
وقد تحول الحلم الجميل إلى كابوس مزعج، ومع ذلك لم يستسلم البروفيسور لظروف الإحباط، بل تزود بالطاقة الإيجابية، وقرر التخلي عن الجهة الداعمة الإماراتية، والبحث عن شركاء ذاتيين ومعنويين من أرض الوطن، وأن يعتمد الدرهم بدل الدولار أو الدينار، واستطاع بفضل حكمته، ومصداقيته، وموقعه العلمي أن يضم إليه عدة شركاء من المغرب فقط، وبذلك أسدل الستار على فصول درامية من مسلسل “مستشفى القصر الكبير”، ليبدأ فصل جديد من المعاناة وصراع الوجود.