بعد سنوات متتالية ممتدة من البذل والعطاء في المجال الإلكتروني، كان حريا بالكاتبة أسماء التمالح أن توثق جهودها وتصدر كتابا ورقيا، في محاولة للجمع بين ماهو إلكتروني وما هو ورقي، من هنا جاء ميلاد كتابها وباكورة أعمالها المعنون ب ” مكاشفات في الأدب والفن والإعلام”، ويسرنا أن نعرض فيما يلي نص كلمة الدكتور مصطفى يعلى التي تصدرت الكتاب:
في سياق اللحظة الثقافية المفصلية المعاصرة، يتحرك التطور الثقافي المتسارع، المستند إلى وسائط التواصل الإلكتروني الحديث بديناميكة مطردة، حيث أطلت كثير من تباشير التعاطي الثقافي المختلف نوعيا فضاء وإنتاجا وتلقيا وتفاعلا، مما فتح آفاقا شاسعة في وجه الفعل الثقافي الواعد أمام الجميع. ومن هنا جاء انخراط معدة هذا الكتاب (مكاشفات في الأدب والفن والإعلام) في هذا التحديث الثقافي الإعلامي بنشاط دؤوب ملحوظ.
إن أسماء التمالح إعلامية عصامية، تدمن القراءة، وتتعلم من كل شيء، وتكتب باستمرار، راصدة أو مرشدة أو منتقدة. وفي هذا الصدد أجدني لتوضيح هذا التنويه الاعتباري، ميالا إلى استدعاء بعض ما قلته في شهادة سابقة في حقها قرئت بالنيابة، مساهمة مني في الحفل الذي نظم في مدينتها الأثيرة القصر الكبير، احتفاء ببذلها المستمر في حقل الإعلام الإلكتروني:
((….. واليوم ها أنتم تحتفون بنموذج رائع على مستوى الفاعلية الإعلامية. بدت لي من خلال متابعتي اليومية من بعيد، لصفحتها ومدونتها المميزتين، في منتهى الجدية والمثابرة على الاعتناء بثلاث قضايا نوعية، ذات تفريعات شمولية تغطي كل الحقول المعيشة في المدينة والوطن معا. وأقصد اهتمامها دوما وأساسا بثلاث قضايا:
الأولى مرتبطة بالاهتمام بمدينة القصر الكبير، حضاريا واجتماعيا وتربويا وأخلاقيا. فالأستاذة الفاضلة أسماء التمالح لم تتأخر دوما، إن في جدارها بالفيسبوك وإن على صفحات مدونتها، عن متابعة أخبار المدينة المتنوعة، مشيدة بالمبادرات الطيبة، ومستنكرة مظاهر الغبن والرداءة والإهمال، التي تطول المدينة المهمشة. كما أنها لا تتوانى عن تغطية مختلف الأنشطة التربوية بالمؤسسات التعليمية المحلية، والتظاهرات الرياضية، من سباقات وكرنفال ومناسبات فكرية وإبداعية ولقاءات ثقافية، في اهتمام خاص برجالاتها، وإجراء المقابلات الضافية مع أكبر عدد ممكن منهم، والتعريف بتوجهاتهم واهتماماتهم وإصداراتهم. من غير أي تهميش لمتابعة منجزات المجلس البلدي وأنشطته، ومؤاخذته إذا تطلب ما يبدر عنه من سلبيات.
وبكلمة واحدة، إن لأسماء التمالح غيرة نادرة على مدينة القصر الكبير، من منطلق حب شبه صوفي لها ولماضيها وحاضرها، واستشرافا لمستقبلها.
والقضية الثانية، تنصب على وضعية المرأة وحقوقها. فهي طالما كتبت المقالات المدافعة عن المرأة عامة والمرأة القصرية خاصة، دفاعا حارا ومتحمسا، في وجه ما تتبينه من معاناتها من مظالم اجتماعية ومادية وسياسية، داخل مجتمع ذكوري ضيق لا يرحم. وفي هذا الصدد، تنبري في موضوعية محمودة للتنويه بفضائل المرأة القصرية ومساهماتها الفكرية والثقافية والرياضية والسياسية وما إليها. لكنها لا ترحم أبدا بالنقد والاستنكار ما ينم عن بعضهن من رداءة وميوعة وتبرج ووصولية وانتهازية وجري وراء نجومية موهومة.
أما القضية الثالثة، فتتصل بالالتزام الديني الصادق لديها، في صورته النيرة السمحة. فهي في كتاباتها بهذا المجال، تبدو متسلحة بالوعي العقائدي السليم، البعيد عن الشعوذة والفتاوى المغرضة أو المشوهة للحقائق الدينية. ومن هنا نجد صفحتها ومدونتها على الشبكة العنكبوتية، غالبا ما تتسلح بالآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة والأقوال الحكمية المأثورة، باعتبارها مرجعيات موثوقا بها، تساعد على تدعيم ما تطرحه من أفكار ومواقف للمناقشة والإفادة في هذا الشأن، الذي اختلط فيه الحابل بالنابل للأسف، خلال السنوات القليلة الماضية)).
وهاهي هنا، بإصدار هذا الكتاب النوعي (مكاشفات في الأدب والفن والإعلام)، تسجل علامة فارقة في مسارها الإعلامي التفاعلي، فتقيم الدليل على مدى جديتها، وبلورة تجربتها الإعلامية، وتطوير نشاطها الثقافي، حيث سعت إلى محاولة الجمع بين ما هو إلكتروني وما هو ورقي. على أنه يمكن موضعة كتابها هذا ضمن موجة محتشمة من الإصدارت الحوارية المماثلة، التي برزت بالمغرب في الآونة الأخيرة.
لقد تمكنت التمالح من خلال هذه المكاشفات، بما طرحته من أسئلة استبطانية ذكية رغم موضوعيتها، أن تستدرج المحاورين إلى البوح بما لذواتهم من صلة بإبداعهم وكتاباتهم، وتسليط الضوء على كثير من تفاصيل تجاربهم، واستجلاء أذواقهم ومفاهيمهم ومواقفهم، وهو ما يزيد في توضيح إنتاجهم وكشف أبعاده وأسراره أمام المتلقي.
وقد ذكرني اجتراح التمالح لهذه الخطوة المتميزة، بما قام به فؤاد دوارة أواسط الستينيات من القرن الماضي، حين وضع كتابا من نفس النوع، تحت عنوان (عشرة أدباء يتحدثون)، منشور في سلسلة “كتاب الهلال، ع. 172، يوليه 1965″، ضم حوارات ثرية مع كل من طه حسين، وتوفيق الحكيم، ومحمود تيمور، وحسين فوزي، ويحيى حقي، ومحمد فريد أبو حديد، وعزيز أباظة، ومحمد مندور وفتحي رضوان، ونجيب محفوظ. وأذكر أن هذا الكتاب قد ترك صدى طيبا في الساحة الثقافية على طول الجغرافية العربية، لما تضمنه من إجابات كاشفة وشيقة ومثرية من لدن أولئك الأدباء الكبار. ولست في حاجة هنا للتذكير بكون مجمل هذه المادة الخام لمن شأنه أن يساعد المتلقين والنقاد منهم على وجه التخصيص، على تصحيح قراءاتهم لأعمال هؤلاء وأمثالهم من الكتاب والمبدعين.
ولعل كتاب (مكاشفات في الأدب والفن والإعلام)، قد لا يبتعد عن نفس هدف ذلك الكتاب، فيفيد في تقريب التجارب الخاصة بمن حاورتهم أسماء التمالح، وإضاءة رؤاهم إلى الحياة، وتعيين مفاهيمهم ووعيهم بنظريات الحقول المعرفية أو الإبداعية أو الفنية أو الإعلامية، التي ينتمي إليها كل منهم، وبالأجناس الأدبية والفنية التي يمارسون إبداعهم في أكوانها. علما أن مادة الكتاب قد تنوعت بين الأدب قصة قصيرة ورواية وشعرا ونقدا، والفن تشكيلا وشريطا مرسوما، والإعلام إلكترونيا ومسموعا.
والأمل معقود على معدة (مكاشفات في الأدب والفن والإعلام) أسماء التمالح، أن لا تألو جهدا في إتباع هذا العمل الجاد، بأمثال له لا تقل جدة وفائدة، حتى تساهم بنصيبها في إثراء المكتبة العربية بالمغرب بإضافاتها الإعلامية والثقافية المميزة.
أ. د. مصطفى يعلى
القنيطرة في 24 نوفمبر 2015