صدرت الطبعة الأولى لكتاب ” السيدة الحرة الملكة المغدورة ” للمؤلف الدكتور عبد الوهاب إيد الحاج سنة 2015 م . منشورات باب الحكمة . الكتاب من الحجم الصغير، يضم الكتاب سبعين صفحة باللغة العربية ، وسبع وستين صفحة باللغة الإسبانية . ويحتوي على : لماذا هذا الاكتاب ، ومجموعة من العناوين ، وفهرس ، وثمان صورة ، والمراجع .
هذا الموضوع المتواضع يتعلق بالقسم العربي من هذا الكتاب . جاء في الصفحة التي تحمل العنوان : السيدة الحرة الملكة المغدورة . الصفحة رقم 3 :
( في هذا الكتاب : حيثيات الانقلاب المشبوه على السيدة الحرة . السقوط الثاني للأندلس بتطوان . يبرز خصوصيات وإبداعات الثقافات الثلاث بالمغرب . يربط معركة وادي المخازن بإنصاف السيدة الحرة ) .
في البدء أشير إلى أنني بعد مطالعتي لهذا الكتاب تقصيت المعلومات التاريخية التي وردت فيه ما استطعت إليها سبيلا ، وسجلت انطباعاتي عنه وملاحظاتي عليه ، وذلك من وجهة نظري ، سواء اتفقت مع المؤلف أو خالفته فيما ورد بصفحات هذا الكتاب ، وألفت الأنظار إليها .
الكتاب عبارة عن مجموعة فقرات قليلة وقصيرة ، لا نلمس الجانب الواقعي والموضوعي في كثير من محتواه وفقراته ، حيث غلب عليه طابع الارتجال ، كأنك أمام سرد عمل أدبي عادي ، بالإضافة إلى إقصاء دور ومساهمة المؤرخين والمفكرين والكتاب الذين كتبوا وأرخوا لفترة حكم أسرة بني راشد وخاصة فترة حكم السيدة الحرة ، وعدم الرجوع إلى كتبهم القيمة ودراساتهم العديدة ، وعدم الاعتماد عليها لا من قريب ولا من بعيد ، ولا بكثير ولا بقليل . وتجلى بعد ذلك غياب بعض الأحداث التاريخية وهجرها ، فكانت الكتابة ناقصة ومبتورة . وقد طُبع الكتاب بطابع عدم الدقة ، وعدم الرجوع إلى المصادر والمراجع والكتابات القيمة والجيدة ، التي تناولت حكم أسرة بني راشد بصفة عامة والست الحرة بصفة خاصة ، والعصر التاريخي الذي ظهرت واختفت فيه هذه الأسرة الراشدية .
وقد قسمت هذه الملاحظات والانطباعات المتواضعة إلى ثلاث نقط :
النقطة الأولى تتعلق ببعض الملاحظات اللغوية والتاريخية .
النقطة الثانية تتعلق بما أنجزه المؤلف عن ” السيدة الحرة الملكة المغدورة ” .
النقطة الثالثة تتعلق بالمصادر والمراجع .
1 ـ الملاحظات اللغوية والتاريخية :
الكتاب من خلال عنوانه ” السيدة الحرة الملكة المغدورة ” ، يبقى هذا العنوان قابلا لعدة قراءات واحتمالات وملاحظات ، وأنه جاء ليضيف معلومات جديدة ومفيدة عن حياة السيدة الحرة وعن فترة حكمها وحياتها بعد الإطاحة بها ، خاصة أن المؤلف يقول في الصفحة رقم 7 : ( … فأردتُ التطرق إلى هذا الموضوع ” الانقلاب المشبوه على السيدة الحرة ” لأنني كلما أردت أن أبحث فيه لم أجد ما يشفي الغليل . بل إن كل من تطرق إلى هذا الموضوع من محللين ومفكرين ومحققين إلا ومر مرور الكرام ، ومُكتف بذكر أن نهاية حكم السيدة الحرة كانت نهاية غامضة وحزينة ، وبعد ذلك انقطعت أخبارها عندما استقرت بشفشاون غير مبال بالدسائس والمؤامرات الدولية والمحلية التي كانت تكيد لهذه السيدة المجاهدة الربانية التي كان أملها استرجاع الأندلس وأمجادها من جديد ، وفعلا كانت قاب قوسين أو أدنى من ذلك ) .
ـ الصفحة رقم 7 : يقول المؤلف في هذه الصفحة : ( … بل كل من تطرق إلى هذا الموضوع … إلا ومر مرور الكرام ) . أي أنه لم يهتم بالأمر ، هذه الجملة الأخيرة ، فهي عبارة عن آية قرآنية تقول : ( والذين لا يشهدون الزورَ وإذا مرّوا باللغْو مرّوا كِراماً ) آية رقم 72 . سورة الفرقان .
ـ جاء في الصفحة نفسها : ( … وفعلا كانت قاب قوسين أو أدنى من ذلك ) . فهذه الجملة مأخوذة من الآية رقم 9 . سورة النجم . التي تقول : ( فكان قَاب قوْسَين أو أدْنى ) . كان على المِؤلف أن يشير في الهامش إلى مصدر تلك الجملتين ، خاصة وأنها آيتان مقتبستين من القرآن الكريم .
ـ الصفحة رقم 7 : كلمة ” المتواجدة ” ، الصواب الموجودة حتى يستقيم المعنى المراد . لأن فعل تواجد لا يعني المعنى الذي يعنيه فعل وجد .
ـ الصفحة رقم 8 : عبارة ” واعتنقت الإسلام ” . الصواب دخلت الإسلام حتى يستقيم المعنى ، لأن اعتنقت لها معنى آخر . لأن اعتنق وتعانق تكون عند الوداع أو اللقاء .
ـ الصفحة نفسها جاء فيها : ( … هو من سيتزوج السيدة ” للا زهور ” لتصبح أما لإبنته السيدة الحرة ” ) . حسب فعل أصبح ، فهي لم تصبح أماً ، وإنما هي التي أنجبتها فهي أمها بعد زواجها منه وسميت بالحرة ، وهي الأخت الشقيقة للأمير إبراهيم .
ـ الصفحة نفسها جاء فيها : ( ومولاي علي بن راشد لم يكن أندلسيا لكنه شارك في عدة معارك بالأندلس … ) . لم يخبرنا المؤلف ببلد وموطن مولاي علي بن راشد الذي قدم منه إلى الأندلس ، وما المعارك العديدة التي شارك فيها .
ـ الصفحة رقم 9 : ( مولاي علي بن راشد الذي ازداد سنة 1440 م توجه إلى الأندلس سنة 1465 م لمناصرة مملكة غرناطة سيعود من جديد إلى شفشاون لمناصرة المجاهدين … ) . لم يتطرق المؤلف إلى مكان ازدياد مولاي علي بن راشد ، وأين كان يوجد بعد ولادته وقبل سفره إلى الأندلس ، وكذا تاريخ عودته إلى مدينة شفشاون .
ـ الصفحة نفسها جاء فيها : ( … حيث بنى حصنا متينا والمعروف لحد الآن ” بقصبة شفشاون ” ومنازل من حوله ) . لم يذكر المؤلف تاريخ البناء .
ـ الصفحة رقم 10 : ( … لأن المدن التاريخية الإسلامية تتواجد كلها على المرتفعات ) . الصواب توجد كلها على المرتفعات .
ـ الصفحة رقم 11 : ( … قام بتصميم نفس المدينة ونفس المغارة … ) . الصواب بتصميم المدينة نفسها والمغارة نفسها .
ـ الصفحة نفسها : ( … نفس الإحساس … ) . الصواب الإحساس نفسه .
ـ الصفحة نفسها : ( ذكر بعض المؤرخون … ) . من هم هؤلاء المؤرخون والمصادر والمراجع التي اعتمدها المؤلف ، حيث لم يذكر إسما واحدا ولم يشر إلى أي مرجع .
ـ الصفحة رقم 11 و 12 : يقول المؤلف : ( … عندما وصلت إلى منزل للازهور وجدته مشابها للعديد من المنازل الموجودة بشفشاون ، تجدون بعض الصور في نهاية هذا الكتاب تؤكد ذلك ) . والصور التي يقصدها المؤلف وهي ثماني صور في الصفحات من رقم 63 إلى رقم 70 ، وهي لا علاقة لها بما ذكر ، وهي : صورة ( بخير ديلا فرونطيرا ) ، وصورة ( مستورات بخير ) ، وصورة ( ما تبقى من قصبة المنظري في بنيار بإسبانيا … ) ، وصورة ( منزل علي بن راشد … ) من الداخل ، وصورة جماعية ( أول لقاء بعد الاعتراف بالمدينة العتيقة بتطوان … ) ، وصورة ( دردشة مع العلامة مولاي علي الريسوني … ) ، وصورة ( معركة القصر الكبير … ) ، وأخيرا صورة ( رئيس بلدية بينيار بإسبانيا … ) والمؤلف .
هذه الصور لا علاقة لها بما قال المؤلف عن تشابه منزل للا زهور الموجود بمدينة ” بيخير ديلا فرونطيرا ” والمنازل الموجودة بمدينة شفشاون . إذاً المؤلف يبحث عمّا يشفي الغليل ، ولم يستطع أن يعرض الصور التي تؤكد ذلك .
الصفحة رقم 13 : ( هكذا سقطت أسطورة السيدة الحرة التي لا تقهر حيث كان إسمها يرهب سكان شبه الجزيرة الإيبيرية بصفة عامة والبرتغاليين بصفة خاصة والتي كانوا يطلقون عليها إسم ” عائشة الكورطيسا ” يعني عائشة الأميرة … ) . ويضيف في الصفحة رقم 15 : ( … بالخصوص وأن الحلفاء الأوربيين كانوا يشتكون باستمرا للسلطان الوطاسي من هجماتها المتكررة والعنيفة عل شبه الجزيرة الأوربية ، بحيث أصبح شغلهم الشاغل وهاجسهم الوحيد هو صد الأسطول البحري للسيدة الحرة والذي كان يتمتع بكفاءة عالية في ميدان القتال البحري … ) .
كيف أنها كانت لا تقهر وأن إسمها كان يرهب سكان الجزيرة الإيبيرية بصفة عامة والبرتغاليين بصفة خاصة ، وأن أسطولها البحري كان يتمتع بكفاءة عالية في ميدان القتال البحري ، وأمام هذه القوة العسكرية والبحرية فإنها لم تستطع تحرير بعض المدن المغربية التي استولى عليها الأوربيون والبرتغاليون ، ولم تستطع أن تدافع عن نفسها وتقاوم الذين أطاحوا بها واستولوا على الحكم وطردوها بعد الانقلاب عليها .
الصفحة رقم 17 ورقم 25 : تواجد الصواب وجود .
الصفحة رقم 51 : ( خلال هذا التقهقر ضهر بصيص من النور ) ، الصواب ظهر بصيص …
الصفحة نفسها : ( ولكن هذه الحقبة كانت عبارة عن حلم في الكرى أو خُلسة المختلس ) ، مقتبسة من موشح لسان الدين بن الخطيب ” زمان الوصل : جادك الغيث ” .
” لم يكن وصلُك إلاّ حُلما ×× في الكرى أو خُلسة المختلس ” . ( وتغنيها الفنانة فيروز ) .
جاء في الصفحة رقم 55 : عنوان موضوع ” معركة وادي المخازن ستنصف روح السيدة الحرة ” .
إن معركة وادي المخازن لا علاقة لها بالسيدة الحرة ، فهذه المعركة كانت لها أسبابها ونتائجها ، فإن هذه المعركة تعتبر من أعظم المعارك في التاريخ الإسلامي والمسيحي، حيث انتهت بانتصار الجيش المغربي المسلم على الجيش البرتغالي الصليبي، التي وقعت في عهد الدولة السعدية (1554 – 1659م)، بتاريخ 4 غشت 1578م ، بالقرب من مدينة القصر الكبير بشمال المغرب، على ضفاف ” وادي المخازن ” ( جماعة السواكن ) ، وهي تعرف كذلك ب : معركة الملوك الثلاثة، أو معركة القصر الكبير.
وقد مات في هذه المعركة ثلاثة ملوك، وهم ملك المغرب أبو مروان عبد الملك المعتصم السعدي الذي توفى وفاة طبيعية نتيجة مرض أصيب به، ويقال أنه مات نتيجة سم دس إليه . والملك المخلوع أبو عبد الله محمد المتوكل ، الذي توفي غرقا في الوادي ، والمعروف بالمسلوخ عند المغاربة ويسميه الأوربيون الأسود ، لأنه بعد العثور علي جثته تم سلخ جلده وحشوه تبنا ، والذي كان يحارب إلى جانب الجيش البرتغالي . وملك البرتغال دون سيباستيان (1554- 1578م) الذي توفي في أثناء المعركة نتيجة الجروح التي أصيب بها . وكذلك عثر على جثة العالم محمد بن علي ابن عسكر الشفشاوني (1529- 1578م) الذي كان من مؤيدي ومناصري الملك المسلوخ محمد المتوكل ، وهو صاحب كتاب ” دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر” ، وأقبر بمدينة القصر الكبير، ويعرف ضريحه عند أهالي المدينة بضريح ” سيدي بورمانة “.
2 ـ ما أنجزه المؤلف عن ” السيدة الحرة الملكة المغدورة ” بين الحقيقة والافتراء .
المؤلف في هذا المنجز الثقافي لم يعتمد في تقديري على الكتابة التاريخية المحضة ، والمعطيات المهمة والمفيدة والشاملة التي تناسب موضوع الكتاب ، بل اعتمد السرد والحكاية بعيدا عن المنهج التاريخي ، وقريبا من سرد جنس أدبي . بالإضافة أنه لم يشر بشكل واضح ودقيق إلى المصادر والمراجع الأساسية والدراسات التي تناولت عائلة بني راشد بصفة عامة والسيدة الحرة بصفة خاصة . وكذلك لم يتحدث عن العصر التاريخي الذي وجدت فيه عائلة علي بن راشد ، وكذا الحقبة التاريخية التي حكمت فيها السيدة الحرة ، وهي فترة حكم الدولة الوطاسية ، التي عرفت عدة ثورات واضطرابات وأحداث داخلية وخارجية . حيث كان الوطاسيون والسعديون يتنافسون في الاستيلاء على الحكم .
ففي هذه الفترة التاريخية المضطربة ، وبعد سقوط آخر ملوك الأندلس ، وانتهاء الحكم الإسلامي في الأندلس ، أو نهاية دولة الإسلام في الأندلس ، وضياع الفردوس المفقود ، وذلك سنة 1492 م ، في هذه الحقبة التاريخية ولدت السيدة الحرة بمدينة شفشاون بالمغرب سنة 1493 م ، ( ولدت السيدة الحرة في شفشاون سنة 1493 ميلادية ، أي بعد سنة واحدة من سقوط غرناطة ، والدها هو مؤسس المدينة ، وأمها اسبانية من منطقة قادش اعتنقت الإسلام .
وتعتبر أحد أهم نساء المغرب العربي في القرن السادس عشر ) . (1) . إلا أنه لم نعثر على معلومات مفيدة وشاملة عنها وعن حياتها منذ ولادتها إلى نهاية حياتها في المصادر والمراجع التاريخية ، وأنها لم تر ” الفردوس المفقود ” الأندلس قط . ولم يثبت أنها زارت الأندلس ، الموضوع يحتاج إلى روية وتدبر ومراجعة المصادر والمراجع . وذلك ما لم يستطع الكاتب إثباته في كل ما كتب حول السيدة الحرة .
إن السيدة الحرة لم تكن ملكة وإنما هي أميرة بانتسابها إلى أبيها الذي أصبح أميراً على مدينة شفشاون ونواحيها ، وأصبح أبناؤه أمراءً ، يخضعون ويتبعون إلى حكم السلطان أحمد الوطاسي الذي يوجد مقر حكمه بمدينة فاس . فالظروف التي وصلت فيها السيدة الحرة إلى الحكم جاءت نتيجة ممارسة الحكم بصفتها أميرة تنحدر من أسرة حاكمة وهي أسرة الأمير علي ابن راشد أمير مدينة شفشاون وهي ابنته ، فكانت نائبة وخليفة لزوجها المنظري وأخيها إبراهيم وزوجها السلطان أحمد الوطاسي .
يقول عبد الهادي التازي : ( وقد تزوجت بأحد قواد والدها المنظري ، وهكذا نراها تقتسم حكم تطوان مع زوجها الذي كان يسند إليها النيابة عنه أثناء غيابه ، الأمر الذي أدى بها إلى أن تحكم تطوان بعد ذلك بمفردها … وقد مارست الحرة حكم هذه المدينة بإسم أخيها مولاي إبراهيم إلى سنة 935 = 1528 عندما دعى أخوها إلى فاس من قبل السلطان مولاي أحمد الوطاسي ، وكان عليه أن يترك في شفشاون إبن عمه سيدي علال كحاكم لها ، ويترك في تطوان أخته السيدة الحرة التي نعتتها المصادر البرتغالية عام 936 / 1530 بسيدة تطوان ) (2) .
يقول المؤلف في الصفحة رقم 14 : ( … التي استمر حكمها أكثر من 18 سنة كلها حروب بحرية وبرية لحماية الشواطئ المغربية من الغزاة … ) . دون أن يذكر معركة أو حربا واحدة ، ولم يذكر المصادر والمراجع التي اعتمدها في هذا القول . وأن حكم السيدة الحرة دام ما يزيد عن ثلاثين سنة ، وليس كما يدعي المؤلف أن ( حكمها استمر أكثر من 18 سنة ) . حيث ( تؤكد الوثائق العربية والأجنبية أن الست الحرة حكمت تطوان ونواحيها فترة من الزمن ، فإذا اعتبرنا أنها شاركت زوجها محمد المنظري في الحكم . وهذا هو الراجح . تكون هذه السيدة قد حكمت تطوان ونواحيها ما يزيد عن ثلاثين سنة ، أي منذ زواجها بالقائد المنظري سنة (916 هـ / 1510 م) إلى زوالها من الحكم سنة : (949 هـ / 1542 م) .
(3) .
إن السيدة الحرة رغم ما كانت تملكه من سلطة وقوات وأسطول بحري فإنها لم تكن قادرة على محاربة الذين دبروا الانقلاب ضدها والاستيلاء على الحكم ، وإنها لم تستطع أن تدافع عن نفسها وتقاوم الذين أطاحوا بها واستولوا على الحكم وطردوها بعد الانقلاب عليها . حيث قال ابن عزوز حكيم : ( وفي يوم 12 رجب 949 ( 22 أكتوبر 1542 ) حل بتطوان مولاي أحمد الحسن المنظري ” الشيخ ” (81) ، وهو أب مولاي أحمد الحسن المنظري ” الشاب ” ، أو المنظري الثالث صهر الست الحرة ، واستطاع في اليوم نفسه الإطاحة بالست الحرة وإرغامها على مغادرة المدينة (82) ) (4) .
فقد أراد المؤلف أن يدفعنا إلى الاعتقاد أنه يؤرخ لفترة زمنية تاريخية هامة من تاريخ المغرب ، ويجعل منه ومضة لإعادة إلقاء الضوء على هذه الفترة التاريخية ، والإفصاح عن بعض الأحداث والوقائع التي ظلت مجهولة ، وغير مذكورة في كتب تاريخ السيدة الحرة والتي عاشتها بصفتها حاكمة لمدينة تطوان خلال مراحل حياتها الخاصة والعامة ، وخلال خلافتها ونيابتها في الحكم عن أخيها إبراهيم أو عن زوجها المنظري وكذا زوجها السلطان أحمد الوطاسي ، وكذا الفترة الزمنية التي عاشتها في مدينة شفشاون بعد الإطاحة بها والانقلاب عليها ، وذلك بموضوعية وواقعية نقلا عن المصادر والمراجع التي اعتمدها المؤلف في إنجاز هذا العمل التاريخي ، حتى يتمكن القارئ والمهتم من الاطلاع عليها والاستفادة منها ، إلا أن ذلك لم يقع ولم تتم الإشارة إليها ، خاصة وأن الكتابة التاريخية لها قواعد وضوابط يجب مراعاتها واتباعها في الكتابة التاريخية أو الأدبية .
وبذلك يكون المؤلف خرج وابتعد عن الغرض التاريخي الذي أراد أن يتطرق إليه ، ويشفي غليله وغليل المهىتم والقارئ . حيث لم يأت بجديد ولم يضف شيئا على ما ورد في كتب المؤرخين والمفكرين والباحثين والكتاب الذين تناولوا الموضوع نفسه . ( خاصة أن المؤلف يقول في الصفحة رقم 7 كما سبق ذكره : ( … فأردتُ التطرق إلى هذا الموضوع ” الانقلاب المشبوه على السيدة الحرة ” لأنني كلما أردت أن أبحث فيه لم أجد ما يشفي الغليل .
بل إن كل من تطرق إلى هذا الموضوع من محللين ومفكرين ومحققين إلا ومر مرور الكرام ، ومُكتف بذكر أن نهاية حكم السيدة الحرة كانت نهاية غامضة وحزينة … ) . فقد سبق لمؤرخ المملكة عبد الوهاب بن منصور أن قال المعنى نفسه حيث ورد في كتاب الوثائق . ما يلي : ( وبذل علامة تطوان ومؤرخها الجليل السيد محمد داوود في تاريخ تطوان جهدا مشكورا لرفع الحجب المسدلة عن هذه السيدة فلم يشف الغليل لغموض الحقبة وسكوت المؤرخين وانعدام المصادر ) (5) .
وتجدر الإشارة إلى أن الأسرة الراشيدية قد حكمت ومارست السلطة إلى أن اختفت وانقرضت ، حيث أن ( الإمارة الراشدية عمرت من سنة 876 إلى 969 هـ ( 1471 – 1561 م ) . أي 93 سنة بالحساب الهجري ، و90 عام بالحساب الميلادي . وقد قضى عليها السلطان عبد الله الغالب في شهر صفر 969 هـ / اكتوبر 1561 م ) .(6)
فقد توفيت السيدة الحرة بمسقط رأسها مدينة شفشاون ودفنت بها بعد مرور ثمان عشرة سنة على الإطاحة بها . ولم يذكر المؤلف وكذا كتب التاريخ التي تناولت حياتها فترة إقامتها الأخيرة بمدينة شفشاون ، وعلاقتها بأخيها الغير الشقيق محمد بن علي بن راشد حاكم مدينة شفشاون ، وعلاقتها بأهل وعلماء ومؤرخي وأعيان مدينة شفشاون ، رغم مكانتها العائلية ، ودورها التاريخي والسياسي ، فظل الغموض والتقصير يسودان هذه الحقبة من حياتها ، باستثناء العبارة المتكررة ، أنها انصرفت إلى العبادة إلى أن وافتها المنية ، دون أي معلومات مفيدة ومهمة عن حياتها الأخيرة في مدينة شفشاون .
أما ضريحها الموجود بمدينة شفشاون ( بزاوية سيدي الحسن بالقرب من القصبة ) فلا توجد به أية لوحة تشير إلى أنه قبر السيدة الحرة ، وحتى الدرب المكان الموجود به لا يحمل إسمها ، تكريما وتقديرا لها كإمرأة حاكمة ، ولمكانتها العائلية كإبنة لولي مدينة شفشاون ومؤسسها ، ولدورها التاريخي والسياسي في تاريخ المغرب أيام حكم الدولة الوطاسية .
إن المؤلف لم يهتم ولم ينتبه بما فيه الكفاية إلى الأخطاء اللغوية والإملائية والتاريخية التي جاءت في مضمون الكتاب . فقد كان له الوقت الكافي الممتد ما بين تاريخ التفكير في إنجاز ذلك الكتاب ، وبين تاريخ إصداره ونشره لإدخال هذا الكتاب قبل نشره إلى غرفة عمليات المراجعة والتصحيح والإضافة والحذف ، والاطلاع على ما حوته تلك الفقرات من معلومات خاصة وعامة ، وذلك بتحليل في شفافية وصدق وموضوعية ، مع إمكانية الزيادة والتنقيح ، وإضافة المراجع والوثائق والصور التي تناسب الموضوع ، لأن ذلك يعطي للكتاب مصداقية وموضوعية ، إلا أنه جاء بمعلومات عامة وغير موثوق بها ، ولا تعتمد على منهج وتاريخ تسلسلي يدل على ما يريد كتابته وإضافته إلى ما لاحظه من تقصير وإهمال في موضوع السيدة الحرة وفترة إبان حكمها وبعد حكمها ، حيث يقول : ( لأنني كلما أردت أن أبحث فيه لم أجد ما يشفي الغليل . بل إن كل من تطرق إلى هذا الموضوع من محللين ومفكرين ومحققين إلا ومر مرور الكرام … ) .
وهكذا نلاحظ أن المؤلف لم يأت بمعلومات جديدة وإضافات مهمة على ما كُتب ونشر سابقا ، ولم يزد ما من شأنه أن يشفي الغليل ، وإنما أعاد المعلومات نفسها زاعما أنه أضاف جديدا ونفض الغبار عما أهمله السابقون من الكتاب والمؤرخين ، حسب زعمه ، وهذا قول لم يستدل عليه بمصدر أو مرجع أو دراسات شاملة وعميقة للفترة التي ظهرت واختفت فيها السيدة الحرة . فقد كان موضوع الكتاب بعيدا عن قوله أنه يريد أن يشفي الغليل ويأتي بإضافات جديدة ومفيدة لم يتطرق إليها المؤرخون والمفكرون والكتاب الذين سبق لهم أن كتبوا في الموضوع نفسه . وقد جاء موضوع الكتاب بين الحقيقة والافتراء .
وفي الختام أود الإشارة إلى أني لا أقصد من وراء هذا الموضوع التقليل من قيمة الكتاب ، ومن عمل المؤلف والجهد الذي بذله لإنجاز هذا العمل الفكري الذي يشكر عليه . وخير الكلام ما قل ودل .
المراجع والهوامش :
1 ـ كتاب مرآة المحاسن من أخبار الشيخ أبي المحاسن . تأليف محمد العربي بن يوسف الفاسي الفهري . دراسة وتحقيق الشريف محمد حمزة بن علي الكتاني . الطبعة الأولى . السنة 2008 م . الصفحة رقم 216 .
2 ـ كتاب المرأة في تاريخ الغرب الإسلامي . تأليف عبد الهادي التازي . الطبعة الأولى . السنة 1992 م . الصفحة رقم 196 .
3 ـ كتاب الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية بشفشاون وأحوازها خلال القرن العاشر ( السادس الميلادي) . تأليف عبد القادر العافية . السنة 1982 م . الصفحة رقم 133 .
4 ـ كتاب الست الحرة حاكمة تطوان . تأليف محمد ابن عزوز حكيم . السنة 1983 م . الصفحتان رقم 45 ورقم 46 . الهامش رقم 81 : يتعلق الأمر بالمنظري الرابع الذي حكم تطوان بعد السيدة الحرة .
5 ـ كتاب الوثائق . المجموعة الأولى . السنة 1976 م . المطبعة الملكية الرباط . عبد الوهاب ابن منصور. مؤرخ المملكة مدير الوثائق الملكية . الصفحة رقم 345 .
6 ـ كتاب مولاي علي ابن راشد مؤسس شفشاون . تأليف محمد ابن عزوز حكيم . الجزء الأول . السنة 1998 م . الصفحة رقم 67 . الهامش رقم 176 .
7 ـ كتاب المرأة المغربية والتاريخ الوطني . إشكالية الفعل النسائي بين التاريخ العالم والتاريخ المدرسي . تأليف السعدية ابن محمود . السنة 2018 م .
8 ـ كتاب المغرب عبر التاريخ . تأليف إبراهيم حركات . الجزء الثاني . من بداية المرينيين إلى نهاية السعديين . السنة 2000 م .
9 ـ كتاب مولاي علي ابن راشد مؤسس شفشاون . الجزء الأول . تأليف محمد ابن عزوز حكيم .
10 ـ كتاب نشرالمثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني . الجزء الأول . تأليف محمد بن الطيب القادري . تحقيق محمد حجي وأحمد توفيق . السنة 1977 م .
11 ـ كتاب النبوغ المغربي في الأدب العربي . تأليف عبد الله كنون . الجزء الطبعة الثانية . السنة 1961 م .
12 ـ كتاب معلمة المغرب . الجزء 10 . السنة 1998 م .
13 ـ كتاب دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر . تأليف محمد بن عسكر الحسني الشفشاوني . تحقيق محمد حجي . الطبعة الطبعة الثالثة . السنة 2003 م .
14 ـ كتاب الزاوية الريسونية : التاريخ والأدوار . تأليف سعيدة الأشهب . السنة 2018 م .
15 ـ كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى . تأليف أحمد بن خالد الناصري .
16 ـ كتاب تاريخ تطوان . تأليف محمد داوود . الجزء الأول .
17 ـ كتاب مختصر تاريخ تطوان . تأليف محمد داوود . الجزء الأول . الطبعة الثانية ، السنة 1955 م .
18 ـ كتاب عمدة الراوين في تاريخ تطاوين . تأليف أحمد الرهوني .
19 ـ كتاب الطريق إلى معرفة القصر الكبير . تأليف محمد عبد السلام بوخلفة . السنة 1972 م .
20 ـ كتاب مغربيات حفل بهن التاريخ . الجزء الأول . تأليف المصطفى حمزة . الطبعة الأولى . السنة 2012 م .
21 ـ كتاب معجم شهيرات المغرب . تأليف زهراء ناجية الزهراوي . الطبعة الأولى . السنة 2009 م .
22 ـ كتاب الست الحرة حاكمة تطوان . تأليف محمد ابن عزوز حكيم . السنة 1983 م .
23 ـ كتاب الست الحرة أميرة الجهاد بشمال المغرب . تأليف أبو صهيب محمد أثار . الطبعة الأولى . السنة 2008 م .
24 ـ كتاب الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية بشفشاون وأحوازها خلال القرن العاشر الهجري ( السادس الميلادي) . تأليف عبد القادر العافية . السنة 1982 م . 22
25 ـ كتاب دولة بني وطاس ( 1420 ـ 1554 ) . تأليف أوغست كور . ترجمة محمد فتحة . الطبعة الأولى السنة 2010 م .
26 ـ كتاب المنظري الغرناطي مؤسس تطوان . تأليف غيرمو غاتالبيس بوستو . ترجمة ممدوح البسناوي . الطبعة الأولى السنة 2007 م . المشروع القومي للترجمة . العدد 1187 .
27 ـ كتاب الموريسكيون في المغرب . تأليف غيير موغوثالبيس بوستو . ترجمة مروة محمد إبراهيم . مراجعة وتقديم جمال عبد الرحمان . الطبعة الأولى . السنة 2005 م . المشروع القومي للترجمة . العدد 726 .
28 ـ كتاب مذكرات من التراث المغربي . الجزء الثالث .
29 ـ كتاب موجز تاريخ شفشاون . تأليف القاضي الوزير محمد الصادق الريسوني . أخرجه وقدم له حفيد المؤلف علي الريسوني . السنة 1986 م .
30 ـ صورة ضريح السيدة الحرة بمدينة شفشاون .