إن كثيرا من الكتاب والشعراء، وأُلْحِق بهم الناشرين، يتوهَّمون أنَّ قيمةَ الكِتاب والكاتب، تتحدد بالسِّعر المرتـفع، أو أنَّ الكِتابَ بضاعةٌ رائجةٌ، يمكنها أنْ تُدِرَّ عليهم أرباحا باهظةً، كما يتوهَّمون أنَّها مثل الكتب المدرسية، أو المقررات الدراسية، أو الموازية للدراسة..وهذه كلها، فعلا، تعود بمردود مالي، وإنْ بدأ هذا المردودُ يفتُر شيئا فشيئا في السنوات الأخيرة.
أنا أذكر جيدا، وجيلي كذلك، أنَّ كتب العديد من الكتاب، منهم عميد الأدب العربي طه حسين وعباس محمود العقاد، وعبد القادر المازني، وكذلك الفيلسوف جان بول سارتر وفيكتور هيجو…كانتْ أسعارُها منخفضةً، تصل، أحيانا، إلى درهم، وخمسة دراهم، وهي بطبيعة الحال، مدعَّــمة، وبعــضها غــيــر مــدعــمٍ، يــصدر في طـبعــاتٍ شعبيةٍ عن ناشرين، وكنا نتهافت على اقتنائها وقراءتها بشراهةٍ!
الكتابةُ لا تصدر إلا عن كاتبٍ ممتلئٍ، أي لا يشتري أفكارا ومعلوماتٍ ولغةً، كي يُحاولَ إعادةَ بيعِها بسعر غال، كسائر السلع والبضائع!..لا، يا سادتي!..الكاتب له مشروع فكري، أدبي، إبداعي…يريد أنْ يحققه، مستقبلا، على أرض الواقع، فلا يضع أمام عينيه إلا الربحَ المعنوي.
وليس معنى ذلك أنني أنفي الرغبةَ في الكسْب والرِّبح، أو أنَّ تفكيري مثالي، لا يمُتُّ بصلةٍ إلى الواقع. لا، أبدا!..لكنني أريد أنْ أهمِسَ في آذان إخواني الكُتاب، بأنَّ الواقعَ لا يرتفع، لأن الأدب والثقافة يمران، منذ أكثر من مائة عام، بحقبةٍ صعبةٍ، ولحد الآن، لم يجدوا لهما حلا ناجعا لعواملَ شتى تُدْرِكونَها، فلا تصُبُّوا الزيتَ على النار المشتعلة، أصلا، في أسعار الكتب والمجلات!