في مدينة القصر الكبير بعدوة الشريعة بحي المطيمار وبدرب به توجد لوحة رخامية مكتوب عليها إسم الدرب وهو” درب الصور ” . وهذا الدرب من الناحية التاريخية والجغرافية يقع في مكان لا زالت به بعض من بقايا السور الموحدي الذي كان يحيط بالمدينة ، إلا أنه إندثر ودرس ، وكغيره من الأثار أصبح في خبر كان ، ولم يعد موجودا بالمدينة ، وبقيت منه بعض الأمتار القليلة والمتفرقة في بعض الأماكن والمواقع بالمدينة . حيث أنه تعرض للإبادة والتخريب والاندثار .
والسور المقصود هو السور الموحدي التاريخي الذي يعود إلى عهد الدولة الموحدية ، والذي شيده السلطان الموحدي يعقوب المنصور الموحدي ، الذي حكم خلال هذه الفترة ( 580 ـ 595 هـ / 1163 ـ 1184 م ) ، وذلك من أجل حماية المدينة من هجوم المتمردين والقبائل المجاورة ، وكان يعرف عند سكان المدينة ” بسور البرتقيز ” ، مع أن هذا السور لا علاقة له بالبرتغال ( البرتقيز ) ، حيث كان يحيط بمدينة القصر الكبير . مثل بعض المدن المغربية التاريخية ، كمدن : مراكش والرباط وفاس ومكناس وغيرها .
وإن تسمية هذا الدرب ب ” درب الصُّور ” ، فهي تسمية غير صائبة ، والصواب أن يسمى ب ” درب السور الموحدي ” . حيث يبقى ” درب الصُّور ” بين الصاد والسين فيه خلاف لغوي .
وشتان بين كلمة ” الصُّور ” بالصاد ، وكلمة ” السُّور ” بالسين ، ولقد وردت كلمة ” الصُّور ” في القرآن الكريم ، كما هي مكتوبة ” الصُّور ” ، في عدة آيات قرآنية في بعض السُّوَر القرآنية . بمعنى ( الصُّور بالضم : القرن يُنفخُ فيه ) ، وكذلك ( فقد قيل هو مثل قَرن يُنفخُ فيه ) . والسور والآيات القرآنية هي :
1 ـ سورة الأنعام رقم 6 . الآية رقم 73 . ( قولُه الحق وله المُلك يوم يُنفخ في الصُّور ) .
2 ـ سورة الكهف رقم 18 . الآية رقم 99 . ( ونُفخ في الصُّور فجمعناهم جَمْعا ) .
3 ـ سورة طه رقم 20 . الآية رقم 102 . ( يومَ يُنفخ في الصُّور ونَحشُر المجرمين يومئذ زُرْقاً ) .
4 ـ سورة المؤمنون رقم 23 . الآية رقم 101 . ( فإذا نُفخ في الصُّور فلا أنسابَ بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) .
5 ـ سورة النمل رقم 27 . الآية رقم 87 . ( ويوم يُنفخ في الصُّور فُفِزَع مَن في السموات ومَن في الأرض ) .
6 ـ سورة يس رقم 36 . الآية رقم 51 . ( ونُفخ في الصُّور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم يَنْسِلون ) .
7 ـ سورة الزمر رقم 39 . الآية رقم 68 . ( ونُفخ في الصُّور فَصَعِق مَن في السموات ومَن في الأرض ) .
8 ـ سورة ق رقم 50 . الآية رقم 20 . ( ونُفخ في الصور ذلك يومُ الوعيد ِ) .
9 ـ سورة الحاقة رقم 69 . الآية رقم 13 . ( فإذا نُفخ في الصُّور نفخةٌ واحدةٌ ) .
10 ـ سورة النبإ رقم 78 . الآية رقم 18.( يومَ يُنفخ في الصُّور فتأتونَ أفواجاً ) .
ـ أما كلمة ” السُّور ” بالسين ” ، بمعنى حائط المدينة وهو البناء الذي يحيط بالمدينة أو المدرسة أو الحديقة إلخ … ( السُّور : كل ما يحيط بشئ من بناء أو غيره . جمع أسوار وسيران ) . فقد وردت في القرآن الكريم في السُّوَر والآيات القرآنية التالية :
ـ سورة ص رقم 38 . الآية رقم 21 : ( وهل أتاك نبا الخصم إذ تسوَّروا المحراب ) .
ـ سورة الحديد رقم 57 . الآية رقم 13 : ( فضرب بينهم بسُور له باب باطنه فيه الراحمة ) .
ـ وقد وردت كلمة ” السُّور ” بالسين ” في المعاجم والقواميس العربية منها :
ـ كتاب المعجم الوسيط . ( مجمع اللغة العربية ) . الجزء الأول . الصفحة رقم 464 : ( السُّور : كلّ ما يحيط بشئ من بناء أو غيره . (ج) أسوارٌ وسيرانٌ ) .
ـ كتاب القاموس المحيط . الصفحة رقم 821 : ( السُّور : حائط المدينة . ج : أسوار وسيرانٌ ) .
ـ كتاب المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي . الجزء الأول . الصفحة رقم 356 : ( سور المدينة البناء المحيط بها والجمع أسوار ) .
ـ كتاب مختار الصحاح . الصفحة رقم 342 : ( السور حائط المدينة وجمعه أسوار وسيران ) .
ـ كتاب المختار من صحاح اللغة . الصفحة رقم 254 : ( السُّور حائط المدينة وجمعه أسوار وسيران ) .
ـ كتاب لسان العرب . لابن منظور .
وأعود إلى السور الموحدي التاريخي بمدينة القصر الكبير ، الذي بني في عهد الدولة الموحدية التي ازدهرت في خلافتها العلوم الدينية والفكرية والاجتماعية والصناعية . يقول عنها المرحوم محمد المنوني : ( من المعروف أن الدولة الموحدية أعظم دولة إسلامية قامت في المغرب ، بما كان لها من سعة الرقعة ، وانبساط النفوذ في الشمال الإفريقي والأندلس ، وفي عهدها بلغت العلوم والآداب والصناعات شأواَ عظيما في التقدم والازدهار ) . (1) .
وقد كان هذا السور التاريخي يحيط بالمدينة مثل بعض المدن المغربية التاريخية ، كمدن : مراكش والرباط وفاس ومكناس وغيرها ، كما سبق ذكره أعلاه . وكانت توجد بالسور عدة أبواب وأقواس ، منها باب سبتة وباب فاس . ويبلغ ارتفاعه حسب بعض المعلومات ستة أمتار تقريبا ، والدرب الذي يحمل هذه اللوحة الرخامية لا زالت به بعض من بقايا السور الموحدي . ( انظر الصور المرفقة ) .
وقال عن السور الذي يوجد بالمدينة المرحوم الحاج عبد السلام القيسي الحسني الذي شاهد وعاين ذلك السور والتقط صورة له : ( صورة جزء من السور الموحدي الذي كان يحيط بمدينة القصر الكبير من جميع جهاتها ، وهذا الجزء كان بالطريق الدائري على طول طريق الرباط . أعرفه حق المعرفة وأنا صغير ، يبتدئ من سوق الفحم ( المحطة الطرقية حاليا ) ، ويمتد صحيحا عاليا إلى أن يواجه ضريح سيدي علي بنفريحة ، بينه وبين الطريق منخفض تجري به مياه الأمطار ولا يجف صيفا . وكان الأطفال يتسلقونه ويجرون فوقه في لعبهم .
وقد أتت عليه يد الهدم والتخريب عند بداية الاستقلال ، وبنيت على أنقاضه وبأحجاره الدور والخزائن ، وأصبح أثرا بعد عين ، ونفس المصير وقع لأجزاء أخرى كانت موجودة بدار الدباغة متصلة بصومعة البنات ، وأجزاء أخرى كانت موجودة بحي بلعباس متصلة ببرج هذا الإسم ، وأجزاء أخرى بحي البناتيين أمام مجرى الواد المضاف . اندثر الجميع والأمر لله ) . (2)
وقد تم هدم السور على فترات زمانية مختلفة ، ولم يبق منه إلا بعض الأمتار متفرقة في بعض الأحياء والأماكن بالمدينة . المراد من موضوعي المتواضع هذا هو تنبيه وإيضاح إلى من يهمه الأمر ، وكذا الكاتب الذي تولى كتابة هذه اللوحة الرخامية التي تحمل إسم ” درب الصُّور ” بحرف الصاد ، حيث كان من الواجب مراجعة الإسم الذي سمي به ذلك الدرب ، ويتأكد من صحته ومطابقته للدرب الذي تمت تسميته به . وإني أقترح تسمية ذلك الدرب ب ” درب السُّور الموحدي ” ، حتى يكون مطابقا ومنسجما مع موقع الدرب التاريخي والجغرافي . وآمل أن أكون قد وفقت في إثارة الانتباه إلى الخطإ اللغوي الذي حدث عند كتابة كلمة ” السُّور ” وهو الجدار ، وتم كتابتها بالصاد ، أي ” الصُّور ” وهو قرن يُنفخ فيه ، والفرق واضح بين كلمتي ” الصُّور ” بالصاد و ” السُّور ” بالسين . وهل يُعقل أن يُنفخ في ( السور ) بالسين الذي هو الجدار ؟ . ولا يمكن تصور ( الصُّور ) بالصاد جداراً يُنفخ فيه .
وقد سبق لي أن نشرت هذه الملاحظة ـ حسب وجهة نظري ـ بتاريخ 31 اكتوبر 2016 م ، وتاريخ 20 يونيو 2019 م ، وتاريخ 18 ديسمبر 2019 م ، بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية ، غير أن هذا التنبيه لم يأخذه أحد بعين الاعتبار ، وظل صيحة في واد . أو كما يقول الشاعر الفارس عمرو بن معد يكرب ( 525 ـ 643 م ) :
لقد أسمعتَ لو ناديــــــــــــتَ ×× ولكن لا حياةَ لمن تُنــــــادي
ولو نارٌنفختَ بها أضـــاءت ×× ولكن أنت تنفخ في رمــــــاد .
الهوامش :
1 ـ كتاب ورقات عن حضارة المرينيين . تأليف محمد المنوني . الطبعة الثالثة . السنة 2000 م . الصفحة رقم 11 .
2 ـ منقول من وثائق وصور الحاج عبد السلام القيسي الحسني ( نسخة من الصورة أحتفظ بها ) .
المراجع :
ـ كتاب القرآن الكريم .
ـ بعض كتب تفسير القرآن الكريم .
ـ كتاب المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم . وضعه محمد فؤاد عبد الباقي . تقديم منصور فهمي . السنة 1945 م . الصفحة رقم 416 . ( ص و ر ) .
ـ كتاب تفصيل آيات القرآن الكريم . وضعه بالفرنسية جُول لا بُوم . ويليه المستدرك وضعه إدوار مونتيه . نقلهما إلى العربية محمد فؤاد عبد الباقي . تقديم محمد فريد وجدي . الصفحتان رقم 576 و577 . ( الصُّور ) .
ـ كتاب معجم مفردات ألفاظ القرآن . للعلامة الراغب الأصفهاني . تحقيق نديم مرعشلي . السنة 1972 م . الصفحة رقم 297 : ( ” ويومَ يُنفخ في الصُّور ” . فقد قيل هو مثل قَرن يُنفخ فيه فيجعل اللهُ سبحانه ذلك سببا لِعَود الصور والأرواح إلى أجسامها ) .
ـ كتاب القاموس المحيط . تأليف مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزابادي . السنة 2008 م . الصفحة رقم 956 . ( الصُّور بالضم : القرن يُنفخُ فيه ) .
ـ كتاب المعجم الوسيط . مجمع اللغة العربية . قام بإخراجه إبراهيم مصطفى وأحمد حسن الزيات وحامد عبد القادر و محمد علي النجار . أشرف على طبعه عبد السلام هارون . الصفحة رقم 530 . ( الصُّور : شيءٌ كالقَرن يُنفَخُ فيه . ج . أصْوارٌ ) .
ـ كتاب معجم الصحاح للجوهري .
ـ كتاب مختار الصحاح . تأليف محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي . السنة 1950 م .
ـ كتاب المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي . تأليف أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي . صححه محمد محي الدين عبد الحميد . السنة 1929 م .
ـ كتاب المغرب عبر التاريخ . تأليف إبراهيم حركات . الجزء الأول . السنة 2000 م .
ـ كتاب ودارت الأعوام . ( ذكريات مثيرة لحقائق عشتها في المغرب ومصر ) . تأليف محمد علي البوركي الرحماني . بدون تاريخ الطبع .
المراجع :
ـ عن السُّور الموحدي للاطلاع والاستفادة : مراجعة كتب التاريخ التي عالجت موضوع السور الموحدي وهي كثيرة .