يكتسي الواقع الفعلي للعديد من الأمور والأحداث طابع التضليل وتزوير الحقائق، مما يقلب الوجه الحقيقي لهذه الأمور والأحداث إلى ما هو مزيف وغير أصلي بالمرة، تكتنفه الأكاذيب والافتراءات، وتؤطره المزاعم والاختلاقات من أجل تلميع الصورة وتقديمها براقة لاتشوبها شائبة، تفعيلا لعبارة ” كولو العام زين”.
يئن باطن الأحداث والوقائع، ويحكي الواقع المؤسف عن نفسه عبر تمظهرات كثيرة تعكس الحقيقة المرة رغم محاولات التدليس الكثيرة والمتسلسلة، يعتقد البعض وهم يقدمون على تلميع صورة الواقع الدنيء بإكسابه رونقا وجمالية مصطنعة أنهم يحسنون صنعا، وأنهم نجحوا في إقناع الغير بما يسوقون له من ادعاءات كاذبة، إلا أنهم واهمين وقد غفلوا أن القاعدة غير السليمة والأساس غير القويم لايمكن أبدا أن يستقيم عليه حال أو وضع، إذ لا يصح إلا الصحيح، ولا خيار ثالث بين اثنين: إما أن تخلص في العمل وتؤديه على وجهه المطلوب أو تتركه وتبتعد به عن العبث والعشوائية كي لا تلوثه وتشوه نفسك قبله.
إن من يدعي وجود أشياء غائبة ويقر بوجودها ظلما وعدوانا سيتعب مع الأيام والسنين، حسبه أنه سيجد نفسه مضطرا على طول الخط للتدخل لإثبات ماهو عديم الوجود، وكل مرة عليه أن يختلق كذبة جديدة ويسلك مسلكا تضليليا معينا يوجه العقول نحو سبل خارجة عن الواقع والحقيقة، ولن يقنع أحدا مهما اجتهد في ذلك، لأن شمس الحق يسطع نورها، وظلام الباطل حالك لاضوء فيه.
ليس غريبا أن ينحاز الناس في عصرنا الحالي إلى الباطل ضدا في الحق، لربما صار هو العادي في زمن تغيرت فيه المفاهيم وتبدلت فيه الايديولوجيات، وانهارت فيه المثل والقيم، وبيع ماء الوجه من أجل تحقيق مصالح شخصية وبلوغ مكاسب مادية نفعية، غير أن حبل الكذب قصير، وطريق الحق كتب له رب العزة النصر والتمكين، قال عز من قائل : ” ﴿ولا تَحْسِبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ إنَّما يُؤَخِّرُهم لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصارُ﴾ ﴿مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إلَيْهِمْ طَرْفُهم وأفْئِدَتُهم هَواءٌ﴾، وقال أيضا : ﴿قُلْ تَمَتَّعُوا فَإنَّ مَصِيرَكم إلى النّارِ﴾ [إبراهيم: ٣٠، وقال سبحانه كذلك : ﴿وذَرْنِي والمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ ومَهِّلْهم قَلِيلًا﴾ [المزمل: ١١] .
فليكذب من استحلى الكذب، وليخدع من نشأ وترعرع على الخداع، ولينافق من ظن نفسه فائزا بنفاقه، وليصفق للباطل من يعشق التطبيل والتزمير والتصفيق، فدوام الحال من المحال والتاريخ لا يرحم أحدا، من قدم خيرا انتفع به ولو بعد موته، ومن قدم شرا اكتوى بناره حيا وميتا، فكفى بالفاجر خطابا عن العفة والطهر والنقاء وهو يمتطي صهوة الفسق والفساد والعهر، وكفى بالسارق اخفاء حقيقة ما سرق من العوام، وكفى بالكذاب تزويرا وتزييفا للحقائق وهو يعلم يقينا أنه مجرد كاذب، وكفى بالظالم جبروتا وتسلطا فإن له في السابقين من فرعون وهامان وقارون وغيرهم آيات لو كان يعقل ويتفكر.
تلميع صورة الأحداث والمواقف والقضايا والأحكام بما يخفي خستها وضحالتها بدل تصحيح العيوب والوقوف على مكامن الخلل فيها، والاجتهاد على أن تكون صورة جميلة بالفعل، شكلا ومضمونا، وليس بها تمويه وتلفيق وتحايل ومراوغة، من شأنه أن يسمو بهذه الصورة ويرقى بها إلى الأعالي، ويجعلها ذات معنى وأثر بليغ في النفوس لكونها ستسقر دون أي عناء في الأذهان والعقول من شدة واقعيتها وبعدها عن التضليل والخداع.
فاتقوا الله واتركوا الحياة تمضي على طبيعتها ولا تتدخلوا بالعبث والفوضى، وتقتلوا أحلى ما فيها وأنتم تخنقون أنفاسها بالسم الذي تبثونه في عروقها. النجاح لا يغطي نفسه ولا يحتاج لمن ينوب عنه بالكلام والتعبير، إنه يفصح تلقائيا عن بواعثه وبوادره دون ضجة وبهرجة، وكذلك الفشل إن كان ذريعا فلا يغطيه جبل من المجاملات والأقاويل والكتابات والصور المزخرفة.