مدينة القصر الكبير أو أوبيدوم نوفوم ( OPPIDUM NOUVUM) أو قصر كتامة أو قصر عبد الكريم ، كما كانت تسمى تاريخيا ، وتعرف قديما ، وكما ورد ذكرها في المصادر التاريخية ، ومعاجم المدن ، تقع شمال المغرب الأقصى ، تابعة لإقليم العرائش ، وهي من المدن المغربية القديمة العتيقة ، و( تعتبر أول حاضرة في المغرب ما زالت قائمة … وقد كانت مهبط رجالات العلم والفكر والتصوف في إفريقيا الشمالية في مختلف العصور) عبد العزيز بنعبد الله ، القصر الكبير أول حاضرة في المغرب ، مجلة المناهل ، العدد1 ، السنة 1974 م ، الصفحة رقم 43 .
وهي مدينة الأولياء والصلحاء ، والمفكرين والعلماء ، والكتاب والأدباء ، والفنانين والشعراء . وقد أنجبت على مر العصور العديد من الأعلام ، كانت لهم مكانة كبيرة وشأو عظيم في مختلف المجالات والميادين الثقافية والفكرية ، تشهد على ذلك إسهاماتهم العديدة ، وإنتاجا تهم الكثيرة في الحياة الأدبية والعلمية . منها ما نشر ومنها ما ينتظر نفض غبار النسيان والإهمال عنها .
بالقرب منها على ضفاف ” وادي المخازن ” ( جماعة السواكن ) ، وقعت معركة وادي المخازن الشهيرة ، والتي تعد من الأحداث البارزة في تاريخ المغرب المجيد ، بل في تاريخ العالم ، وتعرف كذلك بمعركة القصر الكبير، وبمعركة الملوك الثلاثة ( أبو مروان عبد الملك المعتصم السعدي ، الذي توفي وفاة طبيعية نتيجة مرض أصيب به ، ويقال أنه مات نتيجة سم دس إليه . والملك المخلوع أبو عبد الله محمد المتوكل السعدي ، الذي توفي غرقا في الوادي ، والمعروف بالمسلوخ عند المغاربة ، ويسميه االأوربيون الأسود ، لأنه بعد العثور على جثته تم سلخ جلده وحشوه بالتبن ، والذي كان يحارب إلى جانب الجيش البرتغالي . وملك البرتغال دون سبستيان ( 1554 ـ 1578 م ) ، الذي توفي في أثناء المعركة نتيجة الجروح التي أصيب بها .
وكذلك عثر على جثة العالم محمد بن علي ابن عسكر الشفشاوني ( 1529 ـ 1578 م ) ، الذي كان من مؤيدي ومناصري الملك المسلوخ محمد المتوكل ، وهو صاحب كتاب ” دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر ” .
فأسماء هذه المعركة ، إن تعددت فالهدف واحد ، وأنها جميعا تؤدي إلى المعركة الخالدة التي وقعت بين السعديين والبرتغاليين يوم 04 غشت سنة 1578م ، حيث انهزمت الجيوش الصليبية ، وكان النصر حليف الجيوش المغربية .
وقد خلدت هذه المعركة المغرب بصفة عامة ، ومدينة القصر الكبير بصفة خاصة في صفحات كتب التاريخ والحروب الإسلامية . وتم ذكر هذه المعركة في عدة مصادر ومراجع تاريخية عربية وأجنبية . إلا أن الموقع الذي كان ميدان هذه الواقعة ، والذي كان ميدان القتال ، الذي التقى فيه الجمعان ، لم يتم الاهتمام به قط ، ولم يتم تحديده بصفة دقيقة ، حيث بقي هذا الموقع في طي الإهمال والنسيان ، رغم أن المكان الذي ينتمي إلى جماعة السواكن يتوافر على مناطق سياحية ، ومعالم تاريخية ، نظرا إلى احتوائه موقع تلك المعركة الشهيرة ، وخاصة القنطرة أو الجسر الروماني القديم ، الذي كان يستعمله الرومان في تنقلاتهم من طنجيس إلى وليلي ، وهي من أهم الآثار الباقية ، التي تقوم على نهر وادي المخازن ، وأن هذا الموقع بالرغم مما أصابه من ضروب الإهمال والنسيان ، فلا زال يقاوم الزمن والاندثار، حيث يجب الاهتمام به وإعطاؤه حقه من العناية والترميم والإصلاح ، ليتم استغلاله من الناحية التاريخية والسياحية والترفيهية ، فيصبح قبلة الزوار ورواد الأماكن السياحية والتاريخية ، ليقضوا لحظات تأمل وراحة في ذلك المكان ، ناهيك بما يمكن أن يقدمه للمنطقة وأبنائها من نشاط ثقافي وسياحي وتجاري ، ويغدو مصدرا ماديا ينتفع منه الجميع ، وتنتعش الحركة السياحية والاقتصادية والاجتماعية .
والذي يدعو إلى الاستغراب والحيرة والتساؤل ، هو أن هذه المعركة رغم ما أحرزته من شهرة عالمية واسعة ، وحظوة مرموقة ، فإنها لم تأخذ حظها من الدعاية والإشهار قط ، باستثناء الاحتفال الذي يقام سنويا ، للاحتفال بذكرى معركة وادي المخازن ، حيث لا يجد السائح والباحث عن موقعها للوصول إليه وزيارته ، أية لوحة تشويرية أو علامة إشهارية تدل على طريق ومكان وجوده ، سواء بمدينة القصر الكبير أو الطريق السيار أو الطرق الوطنية والثانوية التي تؤدي إلى مدينة القصر الكبير ، رغم أن مجموعة من الأماكن الأثرية والمواقع السياحية بمختلف المناطق المغربية تتوفر على هذه العناية الدعائية والإشهارية .
فعلى الجهات المختصة والمهتمة أن يبادروا بالاعتناء بهذا الموقع الهام ذي القيمة التاريخية والسياحية ، وأن يستجيبوا لهذه الصيحة الصادرة عن الغيرة القوية على الرمزية التاريخية لهذا المكان ، والرغبة الكبيرة في رد الاعتبار له ، وأن لا تكون صيحة في واد ، أو كما يقول الشاعر الفارس عمرو بن معد يكرب ( 525 ـ 643 م ) :
لقد أسمعتَ لو ناديــــــــــــتَ ×× ولكن لا حياةَ لمن تُنــــــادي
ولو نارٌ نفختَ بها أضـــاءت ×× ولكن أنت تنفخ في رمــــــاد .