سجل نسائنا الخالدات حافل بأسماء سيدات رائعات متميزات مهما حاولنا الإلمام بجوانب تميزهن وانفرادهن بخصائص قل نظيرها إلا وكنا مقصرين في حقهن لصعوبة الفعل، سيرهن العطرة حبلى بالمواقف النبيلة وبالأخلاق الرفيعة وبالقدوة الصالحة الجديرة بأن يتأسى بها باقي النساء.
أسماء بنت أبي بكر الصديق .. واحدة من الخالدات اللواتي كن مثالا في تحمل المسؤولية، والتضحية من أجل الدعوة إلى الله، هي صحابية جليلة، بنت أبي بكر الصديق من زوجته ” قتيلة”، وهي الأخت الكبرى لأمنا عائشة رضي الله عنها من أبيها أبي بكر. تكبر أسماء عائشة ب 14 سنة، وقد احتلت الرتبة 17 في قائمة الأوائل الذين اعتنقوا الإسلام، وقد كانت آنذاك لم تتجاوز سن 15 سنة.
ربت أسماء أختها الصغيرة عائشة، وتلقت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أحكام ومبادئ الدين الإسلامي، وتقاسمت مع أبيها أبي بكر الصديق أصعب الظروف والمواقف، فصبرت على أذى قريش رفقته، وآزرته وساندته وكانت نعم البنت البارة بوالدها.
تزوجت أسماء الزبير بن العوام قبيل الهجرة، وكان رجلا فقيرا لا يملك إلا فرسه، غير أنه كان من عظماء الرجال في الإسلام، خالته هي أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، وعمته هي صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنهم أجمعين وأرضاهم.
كانت أسماء تأتي النبي صلى الله عليه وسلم وأباها في غار ثور بالطعام والزاد، فصنعت لهما مرة سفرة واحتاجت إلى ما تشدها به، فشقت خمارها نصفين : شدت بنصفه السفرة وتطوقت بالنصف الآخر، فلما جاءت إلى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم خاطبها قائلا: ” أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين في الجنة”، فلقبت من يومها ب ” ذات النطاقين”.
خرجت أسماء بنت أبي بكر الصديق من مكة إلى المدينة مهاجرة وهي حامل، فلما وصلت قباء أنجبت ابنها عبد الله بن الزبير، فكان أول مولود للمسلمين في المدينة، فرحوا به فرحا وجعلوا يطوفون به في المدينة مكبرين مهللين.
لم تكن ذات النطاقين تعيش حياة غنى وثراء إلى جانب زوجها الزبير بن العوام، بل كانت امرأة صبورة تعايشت مع قلة ذات يد زوجها وكابدت، وربت إبنها عبد الله على الفروسية والعلم، حتى كان من الأربعة العبادلة المشهورين بالعلم والفقه.
بلغت أسماء مائة عام من عمرها، لم يسقط لها سن، ولم يذهب لها عقل، ولكن بصرها ذهب فعميت، توفيت رضي الله عنها وأرضاها بعد استشهاد ابنها عبد الله بحوالي 20 يوما، وقد كانت وماتزال علما من الأعلام التي يفتخر بها على مدى العصور والأزمان.