عندما كنا في إسطنبول جرى شيء طريف ، كنا في مطعم في الجزء الآسيوي من المدينة نتناول غداءنا ، فإذا بأحد رفقائنا يرغب في المزيد من الملح لطعامه ، فكيف نشرح للنادل بغيتنا ، وفي الحين فتح الله علي باسم كلمة الملح باللغة التركية ، فصحت بصوت مسموع يميل إلى الافتخار : ياباشا طز ؛ طز ياباشا ! فانفجر رفقائي ضاحكين ، وفعلا استجاب النادل ، وأحضر لنا ـ مشكورا ـ علبة طز .
عرفت هذه الكلمة أيام الطلب كمستملحة نتندر بها نحن الشباب ، ولكن هاأنا أنقذ بها الموقف ، وأفيد من لا يعرف قصة طز عند إخواننا في المشرق .
كانت بلاد العرب ـ باستثناء المغرب تابعة للخلافة العثمانية ، وكان بعض العرب يحملون أكياس الملح لمقايضتها بالقمح ، وكانت السلطات العثمانية تعفي تجار الملح من الضريبة ، فكان المراقبون يسألون المسافرين عما يحملونه من بضائع ، فيجيبون : طز . فيرد عليهم :تمام ، طز ! ومع توالي الأيام تقمصت كلمة طز معنى الشيء التافه الذي لا يؤبه له .ولهذا نسمع الشرقي يقول بملء فيه، عن الشيء أو الشخص: طز فيه ! بمعنى لا يساوي شيئا.
لنترك طز عندهم ، ولنعد إلى الملح عندنا . يبدو أن الملح كان ثمينا في القديم، وأن تجارا كانوا يحملونه من مناجمه ، أو ملاّحاته إلى المناطق التي يعز فيها فيباع غاليا ، أو يُقايَض بالنفائس .بل كان يرفع إلى مرتبة التقديس عند العوام ، فكانوا يحملون معهم في سفرهم فصوصا من الملح تقيهم ـ حسب اعتقادهم ـ من شر الجن والشياطين ، وكان بعض الشرفاء الذين يعالجونه المرضى بالكي أو الرقية ، يأخذون أتعابهم ملحا ، فيقول المريض : ( خذ أمولاي الشريف ملح يدك ، نفعنا الله ببركتك ) لعل هذا التقليد من مخلفات أيام عز الملح .
وعندنا في المغرب كلمة ( الملاح ) تعني الحي الذي يسكنه اليهود ، وما سمي ملاحا إلا لأنهم كانوا يتاجرون في الملح ، ومعروف عن مواطنينا اليهود، أنهم كانوا يتاجرون في الأشياء النفيسة ، وما كانوا ليتاجروا في الأملاح لو كانت خسيسة .
وتثمين الملح ليس حكرا علينا ، بل عند الغربيين أيضا كان نفيسا ، وكان العمال يتقاضون أجورهم مِلْحاً ، والدليل على ذلك كلمة (صال أو، صيل) التي تعني الملح ، واشتق منها :
عند الإسپان : Salario Asalariado
وعند الفرنسيين : Salaire Salarie
وعند الإنجليز : Salary Salaried